اطروحة نهية التاريخ بين الاصولية والعلمنية

اطروحة نهية التاريخ بين الاصولية والعلمنية

الاتجاهات النظرية الراهنة (صراع الحضارات و نهاية التاريخ )


رغم أن النظريات الاجتماعية في غالبها قد تم صياغتها لتفسير الواقع الاجتماعي و محاولة تجنب ما قد يجتاحه من مشاكل ، إلا أنه فيما يبدو هناك بعض النظريات أو الاتجاهات التي يكون لها أهدافا ً اقتصادية أو سياسية من وراء صياغتها و تمريرها كمفاهيم و تعليلات لمجريات الواقع الاجتماعي ، و لعل أشهر هذه النظريات في وقتنا الراهن هي ما عرف بصراع أو صدام الحضارات لهنتجنتون و نهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما، و من الملاحظ من عناوين هذه الاتجاهات أنها لا تنظر نظرة موضوعية لمجريات الواقع و إنما هناك تحيز واضح بدء من هذه العناوين البراقة ، سنتطرق في هذه الأوراق لهذه الاتجاهات محاولين تسليط الضوء عليها ، و تقديم أهم ما ذكر من نقد لها .

أولاً ــ فرانسيس فوكوياما و نهاية التاريخ و الإنسان الأخير أو خاتم البشر :

في عام 1989 كان قراء دورية ناشونال انترست National Interest على موعد مع مقالة حفرت حروفها في تاريخ النظريات السياسية الحديثة ، عندما كتب فرانسيس فوكوياما تحت عنوان " نهاية التاريخ" قائلا إن نهاية تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية قد ولى وانتهى إلى دون رجعة مع انتهاء الحرب الباردة وهدم سور برلين، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية. وقد أضاف وشرح فوكوياما نظريته المثيرة للجدل في كتاب أصدره عام 1992 بعنوان "نهاية التاريخ والإنسان الأخير"http://ar.wikipedia.org/wiki/

السيرة الذاتية لفرانسيس فوكوياما:

بداية سنلقي نظرة على السيرة الذاتية لفوكوياما حيث أن سيرة المفكر تعكس لنا بعض التبريرات لما يكون قد نسج من أفكار، يقول محمد الأحمري أن فرانسيس فوكوياما قد هاجر جده لأبيه من اليابان إلى أمريكا واستوطن في لوس أنجلس عام 1950م، حتى لا يجند في الحرب الروسية اليابانية، أما أبوه فقد ولد في لوس أنجلس، والده يحمل الدكتوراه في علم الاجتماع، وعمل رجل دين في إحدى الكنائس، ثم عمل بعد الحرب العالمية الثانية مبشرا ثلاث سنوات، ثم عمل في تركيا مدرسا للغة الإنجليزية، أمه هاجرت لأمريكا عام 1949، ثم استقرت العائلة في نيويورك حينا من الزمن، ولد فرنسيس فوكوياما عام 1952م كان وحيد والديه، ولم يرث من والديه اللغة اليابانية•، وفي نيوروك درس في مدرسة خاصة، معظم طلابها من اليهود،وفوكوياما الابن لا يعد متدينا ولا مبشرا، أما أفكاره فتسيح في عوالم كثيرة، لا تبتعد عن الكنيسة، ولا تستسلم لها.
درس بعدها في جامعة كورنيل، ثم في هارفارد، وبعد تخرجه منها لم يعمل في التدريس، وربما لأنه يرى في تدريس العلوم السياسية أو أي علم بعدا عن السياسة العملية ؛ ذلك أن السياسة العملية تمارس في الحكومة وفي مراكز الدراسات وفي الشركات، أما الجامعات فإنها تتشبع بدراسة النظريات، تتلمذ فكريا على شيخ المحافظين الجدد شتراوس الأستاذ اليهودي الذي درس في جامعة شيكاغو، وتربطه صداقة متينة ببول وولفوتز، نائب وزير الدفاع السابق، ثم رئيس البنك الدولي حاليا، وهو يهودي متطرف في صهيونيته، و الابن الروحي والوريث لشتراوس، ويسوق فوكوياما في مقال له طريف، قصة علاقته بالمحافظين الجدد وأنه في التسعينات كانت هناك نواد نشطة في واشنطن العاصمة، منها اللقاء السنوي لمجلة ناشونال انترست -التي نشر فيها مقالة: "نهاية التاريخ" وهي في الأصل محاضرة في جامعة شيكاغو، بالاسم نفسه، ثم أصبحت أصلا للكتاب الموسع في الفكرة نفسها- وكان يحضر هذه الاجتماعات هنري كيسنجر، وبول وولفوتز، وآل كرستول الابن والأب، ودانيال بايبز، وجين كيرباتريك، وتشارلز كروثامر، وإليوت كوهين، وكما يقول فوكوياما: "يستضيف هذا اللقاء المفكرين المحافظين والكتاب والفاعلين، ويحضر اللقاء كل من أصبح يطلق عليهم وصف: (المحافظين الجدد) فيما بعد".
وكما تراهم يهود لا يخالطهم إلا من كان أكثر تزمتا، من أمثال المسيحية الصهيونية كيرباتريك. وفوكوياما الذي سربوا من خلاله بعضا من قناعاتهم لاحقا، وشارك معهم في الأوراق والوثائق التي قدموها والمواقف التي تبنوها من أمثال وثيقة "القرن الأمريكي الجديد" التي أصبحت تمثّل المواقف الرئيسة لمدرسة المحافظين الجدد.
وقد سبق له أن كان من المشرفين على قضايا الشرق الأوسط في الحكومة السابقة التي كان فيها بوش الأب، ثم مستشارا من المشرفين على قضايا الدراسات الحيوية والاختراعات العلمية المتعلقة بها في إدارة بوش الصغير، ضمن حكومة المحافظين الجدد.
هناك منتقدون كثيرون له على المستوى الشخصي فمنهم من يرى أن هذه المحاضرة "نهاية التاريخ" التي أصبحت مقالة ثم كتابا، صنعت له الشهرة والثروة، حتى اتهمه بعضهم بأن الفكرة كانت احتفالا بسقوط روسيا، وموقفا عاطفيا ليس مدروسا، وقد فهم فيما بعد لعبة" "كتاب الساعة"، فأصبح همه أن يخرج كتابا عن كل قضية يكون حديث الناس عنها، لأنها سوف تفتح له السوق والجيوب والإعلام، والشهرة، بقطع النظر عن صحتها ومحتواها، فكتبه التي أعقبت ذلك كانت تصب في الحديث عما يشغل الناس مثل: كتابه عن قانونية البحوث الوراثية، وآخرها عن موضوع بناء الدولة، وهو كتاب يهتم بالحديث الجاري عن بناء الدولة في أفغانستان والعراق.http://www.alasr.ws/


الأفكار الأساسية عند فرانسيس فوكوياما:

تعود أصول كتاب نهاية التاريخ كما يقول فوكوياما إلى المقال الذي كتبه لمجلة National Interest و قد ذهب في ذلك المقال إلى أن إجماعا ملحوظا قد ظهر في السنوات القليلة الماضية في جميع أنحاء العالم حول شرعية الديموقراطية الليبرالية كنظام للحكم بعد أن لحقت الهزيمة بالأيدولوجيات المنافسة مثل الملكية الوراثية، و الفاشية و الشيوعية في الفترة الأخيرة، غير أنه أضاف إلى ذلك قوله أن الديموقراطية الليبرالية قد تشكل "نقطة النهاية في التطور الأيدولوجي للإنسانية" • و الصورة النهائية لنظام الحكم البشري و بالتالي تمثل نهاية التاريخ .
يقول فرانسيس بعبارة أخرى أنه بينما شابت أشكال الحكم السابقة عيوب خطيرة و انتهاكات للعقل أدت في النهاية إلى سقوطها، فإن الديموقراطية الليبرالية قد يمكن القول بأنها خالية من مثل تلك التناقضات الأساسية الداخلية.
إن ما ألمح إليه على أنه بلغ النهاية لم يكن وقوع الأحداث بل التاريخ : أي أن التاريخ من حيث هو عملية مفردة متلاحمة و تطورية متى ما أخذنا بعين الاعتبار تجارب كافة الشعوب في جميع العصور ، و قد ارتبط هذا الفهم للتاريخ بالفيلسوف الألماني هيجل ثم أضحى جزء من المناخ الثقافي الغربي على يد كارل ماركس و الذي أستعار هذا المفهوم عن التاريخ من هيجل.
كان في اعتقاد كلا من هيجل وماركس أن تطور المجتمعات البشرية ليس إلى ما لانهاية بل إنه سيتوقف حين تصل البشرية إلى شكل من أشكال المجتمع يشبع احتياجاتها الأساسية و الرئيسية، و هكذا افترض الاثنان أن للتاريخ نهاية هي عند هيجل الدولة الليبرالية و عند ماركس المجتمع الشيوعي .

و يستشهد فوكوياما على نظريته هذه بما حدث في الربع الأخير من القرن العشرين حيث أميط اللثام كما يقول عن أوجه الضعف الخطيرة في أنظمة العالم الديكتاتورية حتى ما بدا منها قوياً عتيداً سواء منها اليمين السلطوي العسكري أو اليسار الشمولي الشيوعي ، فمن أمريكا اللاتينية إلى شرق أوربا ة من الاتحاد السوفيتي إلى الشرق الأوسط وآسيا، تهاوت حكومات قوية على مدى العقدين الماضيين و رغم أنها لم تفسح الطريق في كل الحالات أمام ديموقراطيات ليبرالية مستقرة ، فإن الديموقراطية الليبرالية تظل المطمح السياسي الواضح الوحيد في مختلف المناطق والثقافات في كوكبنا هذا.
كذلك فإن المبادئ الليبرالية في الاقتصاد أي السوق الحرة قد انتشرت و نجحت في خلق مستويات من الرخاء المادي لم تعهد من قبل سواء في الدول الصناعية المتقدمة أو في دول كانت وقت انتهاء الحرب العالمية الثانية جزء من العالم الثالث الفقير ، فالثورة الليبرالية في الفكر الاقتصادي كانت أحيانا تسبق و أحيانا تتلو الاتجاه صوب الحرية السياسية في مختلف بقاع الأرض.(فوكوياما،1993م:8ــ10)

خاتم البشر لدى فرانسيس فوكوياما:

يطرح فوكوياما رأي الفيلسوف نيتشة ثم يرد عليه بخصوص خاتم البشر و كيف يكون وضع الإنسان في نهاية التاريخ ، لقد كان نيشتة يعتقد أن الديموقراطية الحديثة لا تمثل مرحلة يصبح فيها عبيد الماضي سادة أنفسهم ، و إنما تمثل انتصارا كاملا للعبيد و أخلاقيات العبيد ، فالمواطن النموذجي في الديموقراطيات الليبرالية هو "خاتم البشر " الذي رباه مؤسسو اليبرالية الحديثة على أن يتخلى عن اعتزازه و إيمانه بتفوقه في مقابل البقاء و الراحة ، لقد أنجبت الديموقراطية الليبرالية أناسا يجمعون بين الرغبة و العقل مهرة في اكتشاف وسائل جديدة لإشباع حشد من الرغبات الكثيرة عن طريق مراعاة الصالح الشخصي بعيد المدى ، و لن تكون لدى خاتم البشر أية رغبة في أن يعترف به باعتباره أعظم من الآخرين ، وبالتالي فإنه في ظل انعدام هذه الغربة لا يمكن بلوغ أي تميز أو إنجاز خارق ، إنه قانع بسعادته غير قادر على الإحساس بالخجل من أنه عاجز عن الارتقاء فوق مستوى احتياجاته و بالتالي فإن خاتم البشر لم يعد بشرا!!!
ذلك كان رأي الفيلسوف نيتشة و يرد عليه فوكوياما قائلا : إذا سرنا على نهج فكر نيتشة فسنجد لزاما أن نطرح الأسئلة التالية: أليس الإنسان القانع تماما بمجرد الاعتراف العام و المساواة دون سواهما إنما هو كائن اقل قدرا من الإنسان الكامل ، وجديرا بالاحتقار و خاتم البشر عاطل من الاجتهاد و الطموح؟ أليس ثمة جانب للشخصية الإنسانية يسعى عامدا إلى الصراع و الخطر و المخاطرة و الإقدام ، و هل سيظل هذا الجانب دون إشباع في ظل " السلام و الرخاء " في الديموقراطيات الليبرالية المعاصرة؟
ألا يتوقف رضا بعض البشر على اعتراف و تقدير هو في جوهره اعتراف و تقدير رافض للمساواة ؟ ثم ألا تشكل الرغبة في الاعتراف و التقدير غير المتكافئ أساس الحياة المرغوب فيها ، ليس فقط في المجتمعات الأرستوقراطية القديمة و إنما أيضا في الديموقراطيات الليبرالية الحديثة ؟ ألن يتوقف بقاؤها في المستقبل ـ إلى حد ما ـ على الدرجة التي يسعى بها مواطنوها إلى الاعتراف بهم لا على أنهم أنداد لغيرهم و إنما باعتبارهم متفوقين على غيرهم ؟ ثم ألن يؤدي خوف الناس من أن يصيروا " خاتم بشر " حقراء إلى محاولة لإثبات تفوقهم بوسائل جديدة غير متوقعة و لدرجة أن يصبحوا مرة أخرى " أول البشر" البدائيين المتوحشين الغارقين في معارك دموية من أجل المنزلة و مستخدمين هذه المرة أسلحة حديثة ؟(فوكوياما،1993م : 17ـ18)

في الحقيقة إن نظرة فوكوياما هذه و تخوفه من العودة إلى أول البشر ، هي حالة موجودة في كل زمان ومكان، و إذا كانت النظرة لأول البشر على أنه بدائي متوحش غارق في المعارك الدموية ، فإن هذا الصنف من البشر لم يغب عن وجه التاريخ لكي يعودوا مرة أخرى ، فكثير هم أقرب ما يكون للأنعام بل أضل سبيلا كما عبر المولى سبحانه و تعالى ، و بالتالي فإن استمرار الإنسان البهيمي و إن بدا متحضرا إلى جانب الإنسان المتحضر الراقي عقائديا وفكريا هو أمر حتمي لا بد منه مهما كان الاتجاه السياسي و الفكري و سواه .

موقف فرانسيس فوكوياما من الإسلام:

يصنف فوكوياما على أنه علماني، وليس مهتما بالدين، على الرغم من كونه ابن قسيس مبشر، تولى التبشير حتى في خارج أمريكا، ولا نلحقه بثقافة والده، ولا ندينه بثقافة خلّص أصدقائه من المتعصبين الصهاينة، المروجين له. ولا نلومه في أن نحمله عبء الثقافة الغربية المسيحية والعلمانية تلك التي تكره ابتداء الثقافة الإسلامية، وتكره رموزها وأشكالها وتاريخها، لسبب عميق في تركيبة ثقافة هؤلاء، أنهم ينشئون في الكنيسة أو الشارع على كراهية الذين سلبوا منهم مهد المسيحية، هذا عند المتدينين، وعند العلمانيين نحن متعصبون، أصحاب دين يمتهن الإنسان، دين غريب وعدواني.
ونقرأ لفوكوياما قوله : "صحيح أن الإسلام يشكل أيديولوجية متسقة ومتماسكة شأن الليبرالية والشيوعية، وأن له معاييره الأخلاقية الخاصة به ونظريته المتصلة بالعدالة السياسية والاجتماعية. كذلك فإن للإسلام جاذبية يمكن أن تكون عالمية، داعيا إليه البشر كافة باعتبارهم بشرا لا مجرد أعضاء في جماعة عرقية، أو قومية معينة. وقد تمكن الإسلام في الواقع من الانتصار على الديمقراطية الليبرالية في أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي، وشكل ذلك خطرا كبيرا على الممارسات الليبرالية حتى في الدول التي لم يصل فيها إلى السلطة السياسية بصورة مباشرة. وقد تلا نهاية الحرب الباردة في أوروبا على الفور تحدي العراق للغرب، وهو ما قيل (عن حق أو عن غير حق) إن الإسلام كان أحد عناصره"، ويستمر في القول: "غير أنه بالرغم من القوة التي أبداها الإسلام في صحوته الحالية، فبالإمكان القول: إن هذا الدين لا يكاد يكون له جاذبية خارج المناطق التي كانت في الأصل إسلامية الحضارة. وقد يبدو أن زمن المزيد من التوسع الحضاري الإسلامي قد ولى. فإن كان بوسع الإسلام أن يكسب من جديد ولاء المرتدين عنه، فهو لن يصادف هوى في قلوب شباب برلين، أو طوكيو، أو موسكو، ورغم أن نحو بليون نسمة يدينون بدين الإسلام (أي خمس تعداد سكان العالم) فليس بوسعهم تحدي الديمقراطية الليبرالية في أرضها على المستوى الفكري. بل إنه قد يبدو أن العالم الإسلامي أشد عرضة للتأثر بالأفكار الليبرالية على المدى الطويل من احتمال أن يحدث العكس، حيث إن مثل هذه الليبرالية قد اجتذبت إلى نفسها أنصارا عديدين وأقوياء لها من بين المسلمين، على مدى القرن ونصف القرن الأخيرين. والواقع أن سبب الصحوة الأصولية الراهنة هو قوة الخطر الملموس من جانب القيم الغربية الليبرالية على المجتمعات الإسلامية التقليدية".
ثم يمتدح تركيا لأنها "الدولة الوحيدة التي طرحت التراث الإسلامي جانبا في صراحة تامة، واختارت مع بدايات القرن العشرين إقامة مجتمع علماني"، وفي نص آخر يقول: "ولم تكن حركة إحياء الأصولية الإسلامية التي ظهرت مع الثورة الإيرانية عامي 1978 ، 1979 مجرد حالة من حالات استمرار "القيم التقليدية'" في العصر الحديث. ذلك أنه كان قد سبق خلال المائة عام الماضية أن ألحقت الهزيمة الساحقة بهذه القيم العفنة المتهاوية. وإنما كانت حركة الإحياء هذه تأكيدا جديدا للحنين إلى مجموعة من القيم الأكثر عراقة ونقاء يقال إنها كانت قائمة في الماضي البعيد، وأنها غير القيم التقليدية للماضي القريب الذي ثبت فسادها، وغير القيم الغربية التي نقلت إلى الشرق الأوسط في صورة شوهاء، وفي كل هذا نرى تشابها أكثر من أن يكون سطحيا بين الأصولية الإسلامية والنازية الأوربية.. ولا يمكن إدراك قوة الإحياء الإسلامي إلا إن أدركنا عمق الجرح الذي أصاب كبرياء المجتمع الإسلامي بسبب فشله المزدوج في الحفاظ على تماسك المجتمع التقليدي، والتمكن من تمثل تقنيات الغرب وقيمه" .
إن موقفه السابق موقف عنصري متعال، فهو صاحب القيم المنتصرة على أي حال، وهي أفكار يشعر المسلمون تجاهها بالجرح لخسرانهم لقيمهم، والإسلام أيديولوجية لا تجذب أحدا، من الشعوب العليا في برلين، أو طوكيو، أو موسكو؟؟http://www.alasr.ws/
و كما رأينا في نظرته للإسلام فإنها نظرة غير موضوعية و ليست بقائمة على أسس علمية أو معرفية حتى أنه ينفي تأثير الإسلام خارج إطار المساحة الجغرافية له رغم اعترافه بأعداد المسلمين و طرحهم الجديد للقيم الصحيحة بلا شوائب لحقت بها طوال السنين الماضية.

نظرة ناقدة لفكرة نهاية التاريخ: 

يرى الكاتب الدكتور محمد الأحمري أن المقالة الأولى لفوكوياما قبل تطويرها إلى كتاب حوت فكرة مهمة، "إنها لا تزيد عن فذلكة للانتصار على روسيا، ومشاركة ذكية في حفلة النصر"، كانت مدفوعة ومبنية على قضية واحدة: نحن انتصرنا على روسيا لأنه ليس في العالم فكرة أحسن ولا أقوى من فكرتنا، ولم يبدع البشر خيرا مما أبدعنا، والسبب يعود إلى جهدنا، وهو منطق قارون بعد أن اجتمع له المال أن يقول: "إنما أوتيته على علم عندي"، وهي الفلسفة البعدية لكل فائز، ثم في الكتاب الذي نشر على أنه توسيع للفكرة احتياط كبير وتجنب للنقد، وتوسيع للبحث، وإثبات أنه ألمّ بالمفاهيم من أطرافها حتى بفكرة نيتشة السابقة عن الإنسان الطموح، اضطر أن يحاول أن يشير إلى أن غاية مطمح إنسان نيتشة هو إنسان فوكوياما، أما إنسان هيجل فقد أبدأ وأعاد الحديث حوله مثبتا أنه لم يسر على طريق الشيخ، ولم يؤمن بأفكاره حرفيا ولم ينتسخ عنه شيئا.

كل الذين شعروا بالنصر في كل العصور احتفلوا هذه الاحتفالية، ورأوا أنهم قد أمسكوا بعنان التاريخ، فقد رأى ذلك هيجل في بروسيا، ورآه أيضا ماكولي في الملكية الدستورية في بلاده إنجلترا، ترى ذكر هذا عند (وايتهد) وأرى كتابه هذا مصدرا لكثير من أفكار فوكوياما، ورآه علماء الدولة العثمانية، ولعل هذه المواقف تنطلق من الفرحة بالنصر التي يؤولها الإنسان البسيط إلى عامل أو سبب آخر قريب لمزاجه وهواه، وهذا تفسير أرقى من التفسير العنصري الذي عادة ما يهيمن على المنتصر كما وقع فيه فوكوياما، فأحد معارفه ومناقشيه "بن بيكر" يرى أنه رجل غريب يؤمن بفكرة تثير الأعصاب، وهي فكرة أن التاريخ قد انتهى؟ وهل يرى هذا عاقل؟ ثم كيف يجمع بين هذه الفكرة وبين دور الهندسة الوراثية في صناعة عالم بل إنسان جديد، أليس هذا يعني بداية للتاريخ جديدة؟ والذي ربما لم يلاحظه كثيرون أن الكتاب: "نهاية التاريخ" بذل جهدا كبيرا في إحكام النظرية، فمن ناحية يغلق دائرة النقاش جهده، وفي الوقت نفسه يحاول أن يقول إن كل اعتراض قد حسب حسابه بما في ذلك تجدد وتطوير الأفكار، فهي مهما كانت لا بد أن تصب في الليبرالية والديموقراطية والرأسمالية! ويشنع على كل من فهم نظريته بمعناها البسيط أو المعقد، ويبقى الكتاب رحلة ممتعة بالرغم من متاعبها في الأفكار السياسية ونظريات الاقتصاد والتاريخ. ht
tp://www.alasr.ws/

ثانياً : صمئويل هنتجنتون و صدام الحضارات :

صامويل فلبس هنتنجتون Samuel Phillips Huntington. (ولد 18 أبريل 1927 - توفي 24 ديسمبر 2008) أستاذ علوم سياسية اشتهر بتحليله للعلاقة بين العسكر والحكومة المدنية، وبحوثه في انقلابات الدول، ثم أطروحته بأن اللاعبين السياسيين المركزيين في القرن الحادي والعشرين سيكونوا الحضارات وليس الدول القومية كما استحوذ على الانتباه لتحليله للمخاطر على الولايات المتحدة التي تشكلها الهجرة المعاصرة. درس في جامعة يال، وقد عمل أستاذا بجامعة هارفارد. http://ar.wikipedia.org/wiki
تسيدت مقولة " نهاية التاريخ" لصاحبها فرانسيس فوكوياما الساحة الفكرية السياسية حتى ظهور مقولة "صدام الحضارات" على يد صموئيل هنتنغتون والتي انتزعت الأضواء من فوكويوما ونظريتة في "نهاية التاريخ".
والأسباب التي دعت إلى سطوع نجم هنتنجتون وأطروحته حول صدام الحضارات ليست أسبابا تتعلق بالقوة والحجية المعرفية وتماسك البناء النظري. بل أنها تعني بكل بساطة التحول الذي طرأ على السياسة الأمريكية في هذه المرحلة التي يقودها اليمين المتطرف أو( النيوليبراليون)
ومن البديهي أن أي فكر أو فلسفة لا يمكن أن يوجد ويحيا في فراغ.بل هو يعبّر بالضرورة عن أيدلوجية جماعة أو شريحة أو طبقة معينة أو حتى شعب. فإن نظرية "صدام الحضارات" قد جاءت معبرة تماماً عن التوجه الجديد للنيوليبرالين في أمريكا وناطقة أمينة ومرافقة للتحول المرحلي الذي اتضحت ملامحهُ في الفترة الأخيرة، وقد كانت مقولة نهاية التاريخ في فترة ما هي المعبر الحقيقي عن سياسة النيوليبراليين في أمريكا. وسوف نكون مضطرين في أماكن متعددة في هذه المقالة من عقد المقارنات بين صدام الحضارات ونهاية التاريخ عندما يكون ذلك ضرورياً.
والحقيقة أن مقولة (نهاية التاريخ) لم تعّمر أكثر من خمس سنوات حيث انزوت وتوارت لصالح مقولة (صدام الحضارات).
إن مقولة نهاية التاريخ كانت تتنبأ بنهاية الأنظمة الشمولية وكافة الأنظمة الشيوعية والاشتراكية، وتنبأت بحتمية انتصار النظام الليبرالي وتسيدّه وتفرّده كنظام سياسي واقتصادي وحيد في المستقبل. أي أن نهاية التاريخ ستكون نهاية ليبرالية بشكل حتمي.
والواقع أن الأحداث الدراماتيكية التي حصلت بعد صدور كتاب فوكوياما نهاية التاريخ، أكدت النبوءات التي جاء بها فوكويوما. أو أن السياسة الأمريكية اتخذت من مقولة "نهاية التاريخ" إنجيلاً وبرنامج عمل لها وقامت برسم خططها على هدي هذه المقولة. أو ربما أنها مهدت لسياستها بالترويج لها نظرياً على شكل نظرية "نهاية التاريخ". والواقع أن كل الفروض السابقة هي بالتالي تصب بنتيجة واحدة.
ويبدو أن النيوليبراليين تنبهوا فجأة إلى أمر خطير في مقولة نهاية التاريخ، هذا الأمر هو المصير المحتوم الذي تسير نحوه الأنظمة غير الليبرالية في العالم. أي أن انهيارها حتمي.
ولا يحتاج إلى حروب وحملات عسكرية. وبالتالي فإن الميزانية الأمريكية الضخمة للتسلح والتي بلغت مئات المليارات تصبح غير مبررة على الإطلاق، لماذا تصرف مئات المليارات لمحاربة أنظمة هي بالأساس أنظمة متهافتة تسير نحو موتها المحتوم أي أن (نهاية التاريخ) في جزء منها تبعث على الاطمئنان على مستقبل أمريكا الليبرالية باعتبارها تتحدث عن الأنظمة غير الليبرالية وكأنها أصبحت حتماً في ذمة الماضي.
وهكذا جاءت نظرية صدام الحضارات لكي تتلافى هذا النقص الخطير وتصور الصراع بأنهُ لا زال حاضراً ومستقبلاً وتنذر بخطر المواجهة والحرب وتدعو صراحة إلى الاستعداد والاستنفار للدفاع عن النموذج الحضاري الأمريكي الليبرالي، وهكذا يصبح تخصيص أموال فلكية للتسليح له ما يبرره، وقد ضرب هنتنجتون على وتر حساس عندما صور الخطر القادم خطراً أخضر (إسلامي ) في أغلبه.
ومن الملاحظ أن هنتنغنتون قد نشر مقالتهُ في مجلة (شؤون خارجية) الأمريكية عام 1993 وهي مجلة معروفة بقربها من مراكز صنع القرار بالولايات المتحدة الأمريكية. http://althieb.maktoobblog.com/


آليات خطاب صدام الحضارات: (هنتجنتون، 1999: 13ــ 61بتصرف)


و المقصود بها الآليات التي يعتمد عليها الخطاب في طرح المفاهيم و في إقناع الآخرين و اكتساب الأنصار، و تتعدد آليات الخطاب بتعدد وسائل طرح هذا الخطاب و أدواته ، و هذه الآليات هي :

أولاً : الديانة هي المعيار للتمييز بين الحضارات.
ثانياً : حتمية صدام الحضارات.
ثالثاً : الإسلام العدو الأول:الصراعات المقبلة ستكون بين الغرب و الحضارتين الإسلامية و الكونفوشيوسية أو الحضارة الصينية.
رابعاً : الحضارة تشكل السياسة و الاقتصاد.

فهذه الآليات تمثل الآليات الأساسية التي تحكم خطاب صدام الحضارات و تسيطر عليه، و سيتم تناول هذه الآليات بالتحليل فيما يلي :

أولاً : الديانة هي المعيار للتمييز بين الحضارات:
و يتخذ هنتنجتون الديانة كأساس للتمييز بين الحضارات و حسب ما ورد في خطابه حدد ثمان حضارات هي:
الحضارة الغربية، الحضارة الأرثوذكسية، الحضارة البوذية، حضارة أمريكا اللاتينية، الحضارة الأفريقية، الحضارة الهندوسية، الحضارة الإسلامية، الحضارة الكونفوشيوسية أو الصينية.
و هو هنا لا يستخدم الديانة كمعيار إلا في الحضارة الإسلامية و ليس في كل الحضارات.و هو يدرك أن الديانة تتداخل في الحضارات المختلفة و دفعه هذا إلى اتخاذ المعيارين التاليين :
الأول: القلة المسيطرة على مقدرات العالم و الأغلبية التي تمثل الآخر و لا تسيطر إلى على القليل بل القليل جدا.
المعيار الثاني : و هو معيار التحديث ، و على أساس هذا المعيار قسم الدول و المجتمعات إلى ثلاثة تصنيفات : دول تقبل التحديث و التغرب مثل اليابان و دول تريد التحديث و ليس لديها مانع في التغرب غير أنها تواجه مشاكل مثل روسيا و يوغسلافيا و تركيا و دول أمريكا اللاتينية و دول شرق أوربا.
و أخيرا دول تريد التحديث و ترفض التمدن على الطريقة الغربية : البلدان الإسلامية و الكونفوشوسية و هي تعمل على تطوير قوتها العسكرية و الاقتصادية و تتحدى الغرب و هيمنته الاقتصادية و العسكرية و السياسية و الثقافية و بالتالي فإن الصراع الحقيقي و الحرب المقبلة ستكون بين الغرب و هاتين الحضارتين المتحديتين.


ثانياً : حتمية صدام الحضارات.
حيث يرى هنتجنتون أن النظام الدولي للقرن الواحد و العشرين سوف يشتمل على سبع أو ثمان قوى رئيسية في هذا العالم الجديد ، فإن السياسات المحلية هي سياسات عرقية، أما السياسة العالمية فهي سياسات حضاراتية ، إن الصراع بين القوى العظمى قد حل محله صدام الحضارات.
و على هذا الأساس حدد خطاب صدام الحضارات المصدر الأساسي للصراع في المستقبل بأنه لن يكون الأيدولوجيا أو الاقتصاد بل سيكون مصدره الهوية الحضارية أو الثقافية و بالتالي سيكون الصراع الحضاري نتيجة أساسية للتطور التاريخي كما يرى هنتجنتون.

ثالثاً : الإسلام العدو الأول:
حيث يقول : " الإسلام الحضارة الوحيدة التي وضعت استمرار الغرب في شك و لقد فعلت ذلك مرتين على الأقل، الاستيلاء على القسطنطينة في 1453 و محاصرة فينا في 1529 و إن أسباب هذا النمط من الصراع لا يكمن في ظاهرة التحولات المسيحية في القرن الثاني عشر أو أصولية القرن العشرين الإسلامية بل إنها تنبع من طبيعة الديانتين و الحضارات المؤسسة على مبادئهما.
و يرى بأن هناك عدة عوامل ساهمت في تأجيج الصراع بين الإسلام و الغرب في القرن العشرين و هذه العوامل هي:
1 ــ النمو السكاني للمسلمين و ذلك بخلق بطالة لعدد كبير من الشباب الذين جندوا للأهداف الإسلامية و هاجروا إلى الغرب و مارسوا ضغوطا على المجتمعات المجاورة.
2 ــ الإحياء الإسلامي الذي أعطى للمسلمين إعادة الثقة في أهمية حضارتهم وقيمهم مقارنة بتلك التي في الغرب.
3 ــ الممارسات الغربية التي تعمل على جعل القيم و المؤسسات الغربية عالمية و المحافظة على تفوق الغرب العسكري و الاقتصادي و التدخل في صراعات العالم الإسلامي خلقت ازدراء شديدا للغرب بين المسلمين.
4 ــ انهيار الاتحاد السوفيتي حول العدو المشترك للغرب و الإسلام و ترك كل واحد يرى الآخر مصدر تهديد للآخر.
5 ــ الاتصال المتزايد بين المسلمين و الغربيين حفز في كل واحد منهما شعورا جديدا بهويتهم و كيف أن هذه الهوية مختلفة عن الآخر ، التفاعل و التمازج فاقم الاختلافات حول حقوق أعضاء الحضارة الواسعة في بلاد مسيطر عليها بأعضاء حضارة أخرى ، ففي كل من المجتمعين المسلم و المسيحي انحدر التسامح مع الآخر بشكل حاد في الثمانينات و التسعينات.
هذه العوامل بالإضافة إلى ما يراه هنتجنتون بأن نزعة العنف موجودة لدى المسلمين تاريخيا حيث دين الإسلام هو دين السيف و انتشر بالسيف ، فهذا كله من وجهة نظره يجعل الصراع الحضاري بين الدول الإسلامية و الغربية حتمي لا محالة.

رابعاً : الحضارة تشكل السياسة و الاقتصاد.
يستطرد هنتجنتون في آليات صدام الحضارات و يصل إلى القول :" إن الحضارة تشكل كل شيء في حياتنا فهي التي تحدد المواقف السياسية المختلفة و هي التي تحدد سياستنا و حتى نظامنا السياسي" و يضيف إن الهوية الثقافية هي التي تحدد علاقات الدول بعضها بالبعض.
كما يرى بأن للحضارة دورها في تشكيل التعاون الاقتصادي بين الدول ومدى نجاح المنظمات الاقتصادية و فشلها، بل لا يمكن أن يكون هناك اندماج اقتصادي ناجح إلا في إطار الحضارة الواحدة، و هكذا صنف السياسات الاقتصادية و المنظمات الاقتصادية بل و العلاقات الاقتصادية الناجحة وفقا للهوية الحضارية، و أشار إلى أن المنظمات التي تنتمي إلى الحضارة الواحدة أكثر نجاحا من المنظمات ذات الحضارات المتعددة .
من خلال دراسة و تحليل نص صدام الحضارات و تفكيك مكوناته و منطلقاته و آلياته نلاحظ أنه يعكس بكل وضوح مركزية الحضارة الغربية، بمعنى الانحياز ثقافيا و قيميا للحضارة الغربية و مصالحها الإستراتيجية السياسية و الاقتصادية و العسكرية و الثقافية و لاشيء غير المصالح الغربية ، فمن البداية جعل هنتجنتون صدام الحضارات حتمية لا مفر منها و بالتالي ستشكل مستقبلنا و هويتنا و كل شيء في حياتنا و إمعانا في تأكيد ذلك فسر التاريخ و أعاد ترتيب أحداثه حتى يستطيع حشر مرحلة صدام الحضارات في مراحل التطور التاريخي و جعل للإسلام حدودا دامية و أنه مولع بالعنف منذ ظهوره ، و أن القرون الماضية كلها صراع و عنف مع أطرافه الخارجية و بين أجزائه الداخلية ، و حتى يقنع الآخرين بفكرته بأن المسلمين يتحدون الغرب ، اختار أدلة و أمثلة و أحداثا من هنا و هناك بطريقة انتقائية و فسرها بطريقة تتلاءم مع نتائج مسبقة، مما جعل أفكاره تتكرر و تحليلاته تتناقض.


صدام الحضارات أم تعايش الثقافات ؟ : 


بعد أن قام هنتجتون بنشر كتابه صدام الحضارات ، كان هناك العديد من ردود الفعل سواء منتقدة أو مؤيدة و كان بعضها على شكل مقالات كتبت أو كتب ألفت ، و بين هذه الكتب كتاب " تعايش الثقافات ،مشروع مضاد لهنتجتون" و الذي كتبه الألماني هارالد موللر بعد أن كانت هناك مساجلة بينه و بين صمويل هنتجنتون و ذلك في 1996م ثم سجل أفكاره تلك في الكتاب سابق الذكر، و الذي يعارض فيه أفكار هنتجنتون كما هو واضح من العنوان وإن كان يتفق معه في بعض الأمور الجزئية.

ففي أحد فصول الكتاب و الذي حمل عنوانا هو : تصالح مع العالم الإسلامي يقول موللر :
إن جرد حساب حصيف و استعداد نزيها للحوار مع العالم الإسلامي لهو أكثر أهمية مما مع أي منطقة أخرى، فقد بات هذا العالم منغرسا في مجتمعاتنا أنفسها من خلال الهجرة و سوف يصبح في حالة تحول ليبرالي لحقوق المواطنة في المستقبل، أكثر حضورا أيضا بين ظهرانينا نحن الأوربيين، كما أنه يعد جوارا إقليميا مباشرا لنا، و من هنا فإن رفضه يمسنا بشكل مزدوج، إذ من الملاحظ أن هناك إفراطا في مساعي وضع الحدود.

كما كتب في موضع آخر من كتابه و تحت عنوان " لا صراع، بل حوار بين الثقافات" كتب يقول :

ينبغي أن نزيد من معرفتنا بثقافات أخرى ، فالمعرفة حول الإسلام أو الهندوسية أو البوذية تساوي صفرا من ناحية عملية، كما أن أغلب الناس لم يسمعوا بالكونفوشيوسية و هذا عيب فادح، فقد اجتاز الغرب الحوار مع الشيوعية بنجاح، لأن كل شخص تقريبا كان يمتلك فهما ً أساسياً لهذا الآخر ، إن ما ينجح في الحوار الضدي لهو هام أيضا للحوار البناء: فالآخر الذي يعرف المرء عنه شيئا يصبح أقل غرابة و الحوار يغدو أكثر سهولة و قد تم هنا تحريك بعض الأمور في خطط التربية و التعليم بوسائل قليلة كما أن الكنائس كذلك يمكنها إنجاز الكثير حينما تعطي الأديان العالمية الأخرى أيضا فرصة للتحدث.(موللر، 2005 :306و 320)


صراع الحضارات، هل هو حتميّ ؟ 


إن القول بحتمية صراع الحضارات أو صدامها، يُجَافي سنة التاريخ ويتعارض مع طبيعة الحضارة، فالحضارة لا طابع عرقي لها، وهي لا ترتبط بجنس من الأجناس، ولا تنتمي إلى شعب من الشعوب، على الرغم من أن الحضارة قد تنسب إلى أمة من الأمم، أو إلى منطقة جغرافية من مناطق العالم على سبيل التعريف ليس إلاَّ، بخلاف الثقافة التي هي رمزٌ للهوية، وعنوانٌ على الذاتية، وتعبيرٌ عن الخصوصيات التي تتميز بها أمة من الأمم، أو يتفرّدُ بها شعبٌ من الشعوب.
والحضارة هي وعاءٌ لثقافات متنوعة تعدّدت أصولها ومشاربها ومصادرها، فامتزجت وتلاقحت، فشكّلت خصائص الحضارة التي تعبّر عن الروح الإنسانية في إشراقاتها وتجلياتها، وتعكس المبادئ العامة التي هي القاسم المشترك بين الروافد والمصادر والمشارب جميعاً.
ولكلّ حضارة مبادئ عامةٌ تقوم عليها، تنبع من عقيدة دينية، أو من فلسفة وضعية، حتى وإن تعدّدت العقائد والفلسفات، فإنَّ الخصائص المميزة للحضارة، تُستمدّ من أقوى العقائد رسوخاً وأشدّها تمكّناً في القلوب والعقول ومن أكثرها تأثيراً في الحياة العامة، بحيث تصطبغ الحضارة بصبغة هذه العقيدة، وتنسب إليها، فتكون النسبة صحيحةً، لصحة المبادئ التي تستند إليها، ومثال ذلك الحضارةُ الإسلامية.
والحضارات الكبرى التي عرفها تاريخ البشرية تَتَفَاوَتُ فيما بينها في موقفها من المادية والروحية، فمنها ما يغلب عليه الجانب المادي، ومنها ما يغلب عليه الجانب الروحي، ومنها ما يسوده التوازنُ بينهما. فهي إذن، سلسلة متعاقبة من الحضارات التي تخلي كلُّ واحدة منها المجالَ لما سوف يتلوها من حضارة أخرى، مما جعل كثيراً من الباحثين في مجال دراسة الحضارات يذهبون إلى القول بوجود التماثُل والتطابُق بين الكثير من هذه الحضارات(6). والتماثل والتطابق لا يدعان مجالاً للصراع.
ولذلك، فإن الحضارات لا تتصارع، وإنما تَتَدَافَعُ وتَتَلاقَحُ ويكمل بعضها بعضاً، وتَتَعَاقَبُ وتَتَواصَلُ، لأنها خلاصة الفكر البشري والإبداع الإنساني وحركة التاريخ التي هي، في المفهوم الإسلامي، سنة اللَّه في الكون. فالصراع بين الحضارات، ليس وارداً، لأن دورات التاريخ تطَّرِدُ وفق المشيئة الإلهية، ولأن التاريخ هو من صنائع الله، والإنسان الذي يؤثر في مسار التاريخ ويصوغه ويُبدع فيه، هو من أكرم خلق اللَّه.
والتدافع الحضاري مفهومٌ قرآنيٌّ، وهو جامعٌ للمعاني والدلالات التي تؤكد بطلان نظرية صراع الحضارات من الأساس. يقول اللَّه تعالى :{ ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}(7)، ويقول عزَّ من قائل: { ولو لا دفع اللَّه الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم اللَّه كثيراً}(8). ويأمر اللَّه عباده بالدفع بالتي هي أحسن في جميع الأحوال، في قوله تعالى :{ ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليًّ حميم}(9)، ويقول عز وجلّ : { ادفع بالتي هي أحسن السيئةَ نحن أعلم بما يصفون} (10).
ودفع اللَّه الناس بعضهم ببعض يُلغي الصراع ويبطل زعمه، لأن هذا (الدفع) هو الذي يمنع فساد الأرض ويحول دونه. وينبغي أن نتنبَّه في هذا السياق إلى الفرق الدقيق بين (فساد الأرض) و(الفساد في الأرض)، فالمعنى الأول الوارد في الآية القرآنية الواحدة والخمسين بعد المائتين من سورة البقرة، ينصرف إلى فساد الأرض باختلال النظام الذي وضعه الخالق سبحانه لحياة البشر فوقها، الذي إذا اختل واضطرب، فسدت الأرض. وهذا مظهرٌ من مظاهر الصراع، وهو الوضع الذي ينتج عن احتدام الصراع بين الحضارات والثقافات. أما المعنى الثاني وهو (الفساد في الأرض) فهو ينصرف إلى الفساد الذي ينتج عن أفعال البشر، وهو من طبائع الأشياء.
والحياة الإنسانية قائمة على أساس (دفع اللَّه الناس بعضهم ببعض)، فهذا هو القانون الأزلي للبشر فوق الأرض، وهو سنة الله ولن تجد لسنة تبديلاً. وبذلك تتهاوى مزاعم الصراع، وتسقط افتراضاته، وتتهافت حتمياته.
وعلى هذا الأساس، فإن مصير الحضارات لم يكن عبر التاريخ كلِّه، صراعاً وصداماً، ولكنه، من حيث الجوهر والعمق كان تدافعاً، وكان دائماً وبصورة مطّردة، يسير في الاتجاه الصاعد إلى ازدهار الحياة بتراكم العطاء الحضاري في مختلف مجالاته، وإلى الرقيّ بالإنسان الذي استخلفه في الأرض لعمارتها، بينما الصراع يتّجه نحو الإفساد في الأرض.
ونخلص من هذا إلى أن صراع الحضارات ليس حتميةً من حتميات التاريخ، كما تقول النظرية الماركسية، وكما يدعي المنظّرون المعاصرون الذين يرسمون معالم سياسة الهيمنة والغطرسة والقوة لقهر إرادات شعوب العالم.http://www.isesco.org.ma/arabe/index.php


هل تراجع صموئيل هنتنجتون عن آراءه بخصوص صدام الحضارات بعد استضافته في مهرجان الجنادرية للعام 1995م ؟ : 
في العام 1995م كان محور الدورة التي أقيمت ضمن أنشطة مهرجان الجنادرية هو (الإسلام والغرب) وكان أهم حضور المهرجان المفكر الأميركي صامويل هنتنجتون، الذي أصبحت نظريته (صدام الحضارات) أحد أبرز المفارقات الفكرية بين الشرق والغرب، وأحدث صخباً فكرياً حول العالم، واستمع الجمهور السعودي ومعهم المثقفون والعلماء الى هنتنجتون وهو يشرح الأبعاد الفكرية لنظريته، محاولاً إحداث شكل من التوازن بين ما تتضمنه تلك النظرية وبين الأصداء التي أحدثتها في الخارج•
و قد ترددت بعض الأقوال التي أعقبت تلك الدورة ، لتقول بأن صاحب صراع الحضارات قد تراجع عن تلك الأقوال و خفف من وطأتها ، و الحقيقة لم أقف على أي مصدر يدعم هذا الرأي ، بل إن آخر ما صدر عقب وفاة هنتنجتون من كتب له حمل عنوانا هو : "من نحن؟.. المناظرة الكبرى حول أمريكا"
و قال فيه تحت عنوان "الإسلام المتشدد في مواجهة أمريكا" أن أمريكا في نظر المتشددين الإسلاميين عدو للإسلام "ولا يمكن للأمريكيين إلا أن يروا في المتشددين الإسلاميين عدوا" لبلادهم ويعتبر المؤلف هذه العلاقة حربا جديدة لها كثير من سمات الحرب الباردة.
ويحدد بعض هذه السمات بشبكة من الخلايا عبر العالم يقول إن الجماعات الإسلامية المتشددة تحتفظ بها مثلما فعل الشيوعيون خلال الحرب الباردة.
ويقول إن وصف الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان للاتحاد السوفيتي بأنه إمبراطورية الشر "يماثل" وصف الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش " لدولتين إسلاميتين هما العراق وإيران إلى جانب كوريا الشمالية بأنها إمبراطورية الشر" بما يعني تحويل الحرب الأيديولوجية مع الشيوعية إلى الحرب الدينية والثقافية مع الإسلام المتشدد.
وبما يشبه الاتفاق في الرأي يسجل هنتنجتون التساؤل الذي طرحه الكاتب الأمريكي جون أبدايك.. بدون الحرب الباردة ما جدوى أن تكون أمريكا؟
ويقول هنتنجتون إن النظرية الاجتماعية والشواهد التاريخية تدل على أن عدم وجود عدو خارجي أو "آخر" يشجع على عدم الوحدة الداخلية فغياب التهديد الخارجي في رأيه يقلل من الاحتياج لحكومة قوية وأمة متماسكة.

وكتاب "من نحن؟.. المناظرة الكبرى حول أمريكا" الذي ترجمه إلى العربية أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة أحمد مختار الجمال يقع في 526 صفحة كبيرة القطع وصدر عن المركز القومي للترجمة في القاهرة وراجعه وقدم له السفير المصري السابق السيد أمين شلبي الذي يقول إن كتاب هنتنجتون الجديد "امتداد وتوسيع" لكتابه "صدام الحضارات".
ويضيف أن المؤلف "يحذر من تآكل الهوية الأمريكية وأساسها الأنجلو- بروتستانتي وما يتهددها من انقسام لغوي وثقافي... يضع أمريكا في مواجهة الإسلام".
ويقول هنتنجتون إن أحد أسباب "عداء" المسلمين لأمريكا هو "التأييد الأمريكي لإسرائيل" ولا يستبعد أن تنخرط أمريكا في السنوات القادمة "في أنواع مختلفة من الصراعات العسكرية مع الدول والجماعات الإسلامية" إلا أنه يتساءل.. هل ستوحد هذه الحروب أمريكا أم أنها ستؤدي إلى انقسامها؟
ويقارن بين موقف أوروبا وأمريكا من الدين مسجلا أن التدين يميز الأمريكيين عن معظم الشعوب الأوروبية إذ إن "الأمريكيين مسيحيون بشكل طاغ... تدين الأمريكيين يقودهم إلى أن يروا العالم على أساس الخير والشر" بدرجة تفوق رؤية الآخرين لهذه الثنائية.
ويتابع قائلا إن زعماء المجتمعات الأخرى يرون "هذا التدين ليس فقط فوق العادة بل إنه أيضا مزعج بالنسبة للقيم الأخلاقية العميقة التي يولدها هذا التدين" عند بحث قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية من خلال منظور ديني.
ويقول إن عقد التسعينيات شهد تحولا كبيرا نحو الدين إذ "أيد الأمريكيون بشكل ساحق" أن يكون للدين دور أكبر في الحياة العامة وأيد 78 بالمئة عام 1991 أن يسمح للتلاميذ بأداء الصلاة داخل المدارس بعد أن كانت المحكمة العليا عام 1962 "حظرت الصلوات الإجبارية في المدارس".
ويسجل أن الدين لعب دورا بارزا في الانتخابات الرئاسية عام 2000 إذ أنشأ الرئيس السابق بوش في البيت الأبيض بعد عشرة أيام من توليه السلطة مكتبا للمبادرات القائمة على الدين ذات الطابع الخيري وخصص له مراكز في خمس وزارات لتسهيل تنفيذ برنامجه وهو "إجراء غير مسبوق لم تفكر فيه الإدارات السابقة وأصبح الدين عنصرا شرعيا في أداء الحكومة الفيدرالية لوظائفها بطريقة لم تحدث من قبل".
ويقول إن القرن الحادي والعشرين هو بداية "عصر الدين فالنماذج العلمانية الغربية للدولة تواجه تحديا ويتم استبدالها" في أكثر من دولة ومنها الجمهورية الإسلامية في إيران وروسيا التي "اعتبرت الأرثوذكسية أمرا جوهريا" وتركيا والهند.
وفي الولايات المتحدة عام 2002 "آمن 59 بالمئة بأن التنبؤات الغيبية في سفر الرؤيا ستتحقق".
http://www.alarabonline.org/

في رأيي أن هذه النظرية رغم ما تحمله بين طياتها من تحامل واضح على الإسلام و المسلمين إلا أنها تبشر بالخير القادم للأمة الإسلامية فيما لو استغلت ما تؤمن به من فكر و عقيدة خير استغلال ، بحيث يجعلها هي القوة الأولى في الأزمان القريبة القادمة ، و هذا ما تبشر به الأيام من سقوط متتال لأفكار غير إسلامية ثبت فشلها و أنه لا بديل للدين بكل ما يحمله من أخلاقيات و قيم.

المراجع:

• فوكوياما، فرانسيس، نهاية التاريخ و خاتم البشر، ترجمة حسين أحمد أمين، القاهرة، مركز الأهرام للترجمة و النشر، 1993م
• موللر، هارالد، تعايش الثقافات مشروع مضاد لهنتنجتون، ترجمة إبراهيم أبو هشهش، ليبيا، دار الكتاب الجديد، 2005م
• هنتجنتون، صموئيل، صدام الحضارات و إعادة بناء النظام العالمي، ترجمة محمود محمد خلف ومالك عبيد، ليبيا، الدار العربية للنشر و التوزيع، 1999م
http://ar.wikipedia.org/wiki/
http://www.alasr.ws/
http://althieb.maktoobblog.com/
http://www.isesco.org.ma/arabe/index.php
http://www.alarabonline.org/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.