الفلاسفة و الثقافة العالمية


هل تضيق الارض بمن عليها ؟

                                                                  هل تضيق الأرض بمن عليها ؟         بقلم د. رضا العطار

المعنى الوجودي للتفائل يقول: ان الارض ذات وزن ثابت تقريبا مهما ازدادت عليها اعداد الكائنات الحية ومهما نقصت. فكل زيادة في جانب او في نوع ما من انواع الكائنات الحية،  النباتية والحيوانية يتبعه نقص في جانب آخر.  فزيادة سكان الارض يتضمن فيما يتضمن نقص الكم في النبات او الحيوان، ومعلوم ان النبات يغتذي من التربة من جهة ومن الغلاف الجوي المحيط بالارض من جهة اخرى وهو الذي يمكن اعتباره جزءا لا يتجزأ منها، وحتى عندما يتلوث الغلاف الجوي بالغازات الضارة التي يصدرها اليه الانسان من مصانعه او قنابله الذرية او من مصادر اخرى للتلوث، فان وزن الارض يبقى ثابتا.

بيد ان هذا الوزن ليس كل شئ، فالكم يجب ان يتساوى مع الكيف دائما. وبتعبير اخر فان الزيادة الكمية في جانب ما من جوانب الارض يكون معناه الاضرار بجانب اخر. خذ مثلا لذلك زحف الصحراء على الاراضي الزراعية او زيادة عدد الذئاب في البقعة الماهولة بالماشية والغزلان. لا شك ان كل زيادة في عدد الذئاب معناه بشكل اخر نقصان عدد الحيوانات التي تعيش على الحشائش. وزيادة عدد سمك القرش – الكوسج – معناه نقص عدد الاسماك الاخرى، واكثر من ذلك فان زيادة عدد الفيلة في مكان ما مأهول بالغابات معناه تهديد الاشجار الرافعة اعناقها الى السماء.

ولا شك ايضا ان الزيادة في عدد سكان العالم من البشر فيه تهديد للكثير من جوانب البيئة الفزيائية والنباتية والحيوانية بل والانسانية كذلك. واكثر من هذا فان مثل تلك الزيادة قد تهدد ايضا الفضاء بما يمكن ان ينقله اليه الانسان من تلوثات.
ولعل السؤال الذي يهمنا في هذا المقام هو عما اذا كانت الارض في سبيلها الى الضيق بمن عليها !
يجيب فريق من العلماء: ان بمقدور الانسان ان يحيل الاراضي البور بل الصحاري الى اراض قابلة للزراعة، بل ان الانسان يستطيع اسقاط الامطار عليها وفي الاوقات التي يحددها بعلومه. بل ويستطيع ان يحول مياه البحر الى مياه عذبة صالحة للشرب. كما يستطيع ان يحقق التوازن البيئي بين مختلف الكائنات الحية. وهو يستطيع ان يغير طبائع الحيوانات ويستأنسها. وقد سبق له ان استأنس الكلب والحصان والقط والبقر، ثم انه قادر على ان يدخل التعديلات على كثير من انواع الخضر، يحيلها الى خضر شهية لغذائه

ويضيف الباحثون بان مشكلة السكان تتركز على توزيع السكان وليس في عددهم. فالهجرة الداخلية هي اس الداء وليس التفجر السكاني. اضف الى هذا ان الحقول ذاتها مهجورة ويتزاحم الناس على المدينة حيث الرفاهية. وبمقدور الانسان ان ينقل هذه الرفاهية الى الريف. ناهيك عن ضرورة توافر الامن الغذائي والامن الاجتماعي بحيث تشجع السكان على النزوح.

اما الاقتراح الاخير بخصوص دفع اهل المدينة الى السكنى في الريف فامر غير واقعي وغير عملي، ذلك ان من المتعذر ان تخفف من الواقع الذي حدث واستقر بالفعل. فبالنسبة لمدينة كبيرة يمكن ان تقلل من الهجرة اليها ولكنك لا تستطيع منع تلك الهجرة تماما من جهة، كما انك لا تستطيع ان تجبر المقيمين بها على الانتقال منها الى الريف او الصحراء.  والواقع القائم هو واقع مؤلم ومزعج في حد ذاته ناهيك عن ان هذا الواقع يتزايد سنة بعد اخرى

بينما يؤكد الساخطون ان الارض تضيق فعلا بمن عليها وشاهد ذلك ما نراه من زحام في كل مرافق الحياة. وطالما ان المساحة المتاحة للسكنى مساحة محدودة. وغير قابلة للاتساع بسبب اغارة البحار على الشواطئ من جهة وبسبب اغارة الصحاري على الاراضي الزراعية من جهة ثانية. فضلا عن الزيادة في عدد البشر في كل ثانية
فالارض اذن ستضيق بمن عليها او هي ضاقت بالفعل بمن عليها.

ولو ان الانسان كان قادرا على حل ذلك التكثف المضطرد في السكان، لما كان قد وقف مكتوف الايدي بازائه الى ان وصلت الحال الى ما وصلت اليه بحيث صار الانسان الحديث مهددا، كما يؤكد ذلك العالم المعروف – مالثوس – من ان سلاح الطبيعية، المارد الجبار،  سوف يتدخل في نهاية المطاف لتصحيح الوضع الخاطئ وذلك بالامراض والمجاعات والحروب. ولعلنا نضيف ماردا رابعا لا يقل خطورة الا وهونشوء نظام اجتماعي لا يمكن تحديد معالمه الا بعد ان يقوم احد الاجناس البشرية بافناء الاجناس الاخرى. ولعل الجنس الاصفر هو الذي سيقود مثل ذلك النظام المجهول
في المستقبل.
* مقتبس من كتاب ( التفائل والتشائم، يوسف ميخائيل اسعد )        




فلسفة الصمت

فلسفة الصمت، ماذا تعني ؟  !

ضحكت كثيرا عندما روي لي زميل من جامعة بغداد جانبا من مشاهداته الغريبة عندما زار مدينة كلكتا بالهند.  قال : اردت التعرف على اساتذة الفلسفة في كلية الاداب هناك. وعندما ذهبت، شاهدت في المدخل منظرا اثار دهشني، فقد كان هناك رجل يجلس على الباب الخارجي في هدوء تام وسكون مطلق، كأنه تمثال اصم، لا يضع على جسده من الثياب الا ما كاد يستره.  القيت عليه تحية الصباح، لكنه لم يرد، ثم سألته عن رئيس القسم فلم يُجيب.  فتركته وشأنه ودخلت حيث التقيت ببعض الاساتذة وعرفتهم بنفسي  وعندما طلبت منهم مقابلة رئيس القسم، أخبرني القوم انه هو ذلك الرجل الذي يجلس بالباب الخارجي فصعقت، وعندما اخبرتهم انني حييته فلم يرد، افهموني انه لم يكن في استطاعته ان يتحدث، لانه صائم عن الكلام منذ ثلاثة اشهر، بغية التأمل !

اطرقت صامتا استرجع المغزى العميق الذي يستهدفه هذا الفيلسوف الهندي من صومه الطويل هذا وتذكرت قول الفيلسوف الالماني الشهير شوبنهاور ( من راي ان مقدار الضوضاء الذي يمكن للأنسان ان يتحمله دون ان يثيره، يتناسب تناسبا عكسيا مع مقدرته العقلية، فيمكننا بهذا ان نتخذ الضوضاء مقياسا للكفاءة بالغا في الدقة .. فالضوضاء تعذب روح كل من يعمل بعقله من الناس ) وشعرت في الحال اننا في مجتمعاتنا العربية احوج ما نكون الى هذه اللغة.

نعم، اننا في حاجة ماسة الى الصوم عن الكلام او حتى الاقلال منه، حتى نتمكن من العمل، بل خُيل اليّ اننا ينبغي ان نعوّد اطفالنا ونحن نعلمهم اللغة ان يكفوا عن الكلام بين الحين والحين، فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه: فاما ان يتكلم او ان يصغي، اما ان يثرثر او يعمل، اما ان يتحدث او ينتج ! ولهذا كان مقياس الرجل المتحضر – كما قال شوبنهاور بحق – عدم قدرته على تحمل الضجيج. والجلبة والاصوات المرتفعة !
فقد كانت المجتمعات المتخلفة هي التي تحتشد فيها اصوات السيارات مع صراخ الناس مع الاذاعات، مسموعة ومرئية.  اما المجتمع المنتج فهو الذي يقلّ فيه الصوت المرتفع وتكاد تتلاشى الجلبة والضوضاء ليحل محلها الفعل والعمل والانتاج.

اثناء زيارة كاتب السطور لليابان عام 1978 بمناسبة انعقاد المؤتمر العالمي لطب العيون هناك يقول: اخذت قطار (الطلقة) من طوكيو الى العاصمة القديمة كيوتو. وقد ازدحم القطار بالمسافرين لدرجة اضطررت انا وزوجتي الوقوف طيلة ساعات السفر اسوة بالبقية حتى كادت اجسام الحضور تتلامس، وقد وقف الى جانبي شخصان، ملاصقين لي، يتحدثان مع بعضهما بلغة (حركة الشفاه)، فلم أستطع سماع كامة رغم اني كنت استرق السمع.

وصلنا قاعة المؤتمرات الكبرى وكانت مكتظة بحوالي خمسة آلاف طبيب عيون حضروا من معظم دول العالم، ثم ظهر الملك وهو ابن (إلاله) هيرو هيتوا، امبراطور اليبابان، وافتتح المؤتمر بكلمة قصيرة حيا فيها الضيوف. وبعد الانتهاء من المراسيم،
اقيم للمؤتمرين حفلة كوكتيل كبرى في حدائق شاسعة غناء، تُطعّمها اجمل احواض الزهور،  تخترقها نهيرات تحوي على اسماك كبيرة، زاهية الالوان، وفوق الهضاب الخضراء من حولنا، كانت الموسيقى تصدح متناغمة مع  رقصة الثعابين التقليدية تحت السماء الصافية. كانت مئات الفتيات اليابانيات الصغيرات، يقمن بخدمة الضيوف - - -  انها كانت ساعات حلوة من العمر، التقطت  خلالها الصور التذكارية، كان للوفد العراقي منها نصيب.

 وفي حينها اعلن ان الصور ستكون جاهزة للبيع بعد ساعة. حضرت في الوقت والمكان المحدد، ودفعت الى البائعة ثمن الصور التي اخترتها، ثم اخبرتها عن عنوان الفندق  ورقم غرفتي حسب طلبها، فقالت لي :  ان الصور ستكون في غرفتك في الساعة السابعة من هذا المساء. لكن عندما اخبرتها اني تارك الغرفة في السابعة، بدأ الجمهور يتململ من حولي ثم ينظر احدهم للاخر ثم انطلق جمعهم يضحكون،  مما اثار فضولي - - فسألت البائعة عن سبب تضاحكهم، قالت وهي خجلى : حضرتك تكرمت بأضحاكهم،  - - وكيف ؟ قالت : لأنك كررت نطق الكلمة وهي ( السابعة)، وهي في العادة تنطق عندنا مرة واحدة. وقد علمت فيما بعد ان تكرار الكلمة في اليابان يُعدُ من النكت الشعبية، تدخل ضمن نطاق الوقت الضائع.             

ولهذا اتخذ الفلاسفة، منذ قديم الزمان من – طائر البوم – رمزا للحكمة، لان هذا الطائر  لا يعيش الا في الاماكن المعزولة، بعيدة عن الضوضاء، يجد في صمته، راحة البال.
* مقتبس بتصرف من كتاب افكار ومواقف لنؤلفه امام عبد الفتاح امام  
              




لماذا انتحر العريس ليلة الزفاف ؟

            لماذا انتحر العريس ليلة الزفاف ؟       بقلم د. رضا العطار

  لقد اعتقد العالم النفساني الشهير -  فرويد -  منذ القرن التاسع عشر ان مثل هذه الحالة تعود الى ( عقدة اوديب ). وقد ايّد هذا الاعتقاد العالم الامريكي المعاصر البروفيسور –  ادلر - مع جمع من زملائه بعد ان اجروا عليها بعض التعديل.
فعقدة اوديب تقول: لو صادف ان العريس لاحظ ان هناك شبْه بين عروسته وصورة امّه التي قد يكون مضى على وفاتها سنوات طويلة. وظنه ان الحب حنان والشهوة رجس من عمل الشيطان، ففي مثل هذه الحالة تعتبر العلاقة الجنسية ( في نظره ) نوع من الأثم و التدنيس، دون ان يعلم سبب ذلك.  فيحجم من التقرب الى عروسته. حيث ان عقله الباطن يجعله يحس انه بهذه العلاقة الجنسية يقترف ذنباعظيما، خاصة اذا كان العريس قد مارس الجنس مع البغايا في السابق او ان له ميول جنسية شاذة، اكتسبها من اصدقاء السوء.

لهذا يتزعزع الشاب عاطفيا ويحس هوانا يعم كامل كيانه، كما يخيم على كيانه  السيكولوجي الشعور بالاحجام، سرعان ما يقوده الى العجز الجنسي، ويكون وقع الصدمة المفاجئة على العريس عظيما بدرجة انه لا يستطيع مواجة الواقع المرير، وبذلك قد يفر،  ونادرا ما ينتحر،هربا من (العار) الذي يشعر انه لحقه امام المشاركين في حفلة زفافه من الاهل و الاصدقاء، الذين سيظنون انه (مو رجال).

لا يخفى انه لكل شاب عزته وكرامتة واحساسه العاطفي بالرجولة. فاذا ما جُرحت هذه الكرامة بالعجز المفاجئ, فان العجز السيكولوجي كله يتغير. ويعود الشاب وهو يتسائل عن قيمة الحياة وعن مكانته الاجتماعية، ثم ينظر عندئذ بعين التوجس الى محيطه ومستقبله،  وطالما لا توجد هناك علة جسمية لهذا العجز، فان مرجعه يكون حتما حالة نفسية معينة.
فقد يحدث ايام الخطوبة ان يتردد الشاب في الزواج، وكانه يعتقد ان الأقدام على هذه الخطوة يحتاج الى زيادة في التروي والتبصر، او ان خطيبته ليست هي الفتاة المثلى من الناحية الأجتماعية او الثرائية او الثقافية. وهذا التردد او الشك ( اتزوج ام لا اتزوج ؟ ) يحدث احيانا عجزا جنسيا, لكن هذا العجز سرعان مايزول بعد زوال هذا الشك او هذا التردد ويغدو الأمر طبيعيا, حين ينتظر الى ان تجرى مراسيم الزواج ويحضر الضيوف وتقام الحفلة وتجرى الزفة التي تنتهي عادة بدخول العريس الى غرفة العروس.

ينحصر حق الزوج على الزوجة في نقطة جوهرية الا وهي حق  المساكنة والاستمتاع,  ( ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها ) لكن هذا الحق يخضع لضوابط اخلاقية معينة. فالأستمتاع يجب ان لا يكون حصرا بالأرادة الذكورية فقط, انما يجب ان يكون من حق الطرفين. وعلى الزوج ان يراعي هذا الحق المكتسب طبيعيا بمزيد من الرعاية والعناية والا فأنه يظلم المرأة. 

فالمضاجعة الزوجية علاقة عاطفية صميمية محضة, ينظر اليها بقدسية. وهي بنفس الوقت عملية مادية بكل حيثياتها, فإذا ما تمت وفق الأطر الخلقية اخذت طابعا روحيا من حيث انها تبدأ بالمداعبة عبر مفردات غزلية ودودة،  تجعل العروس تشعر بعلو الادب  وحسن اللياقة وسعة الثقافة لزوج المستقبل, فيرتفع قدره واحترامه في عينها في تلك الساعة التاريخية,  يكون اثره على علاقتهما الروحية خلال سنوات العمر القادمة بالغا, كل هذا من اجل اثارة المشاعر الحلوة والأحاسيس الفطرية لدى البنت.  فالعلاقة  البيولوجية تهدف بالدرجة الاولى الى الاستمرارية الحتمية لسنة الحياة، ( انما خلقناكم من ذكر وانثى لتعارفو ... ) الا ان الاسلوب المنمق للزوج النبه،  يبلور هذه العلاقة  ويسمو بها، صحيح انها شهوة عارمة, لكنها تطفح بشذى احاسيس خلقية فواحة، تشعل نار اللهفة والرغبة، كي تنطفئ جذوتها في تيجان العطف والرحمة. اما اذا حاول الزوج الأستحواذ على عروسته بالقوة العضلية و اسماعها عبارات مخدشة غير مهذبة، انذاك يغيب  منطق المشاركة،  ويظهر زيف مشاعره تجاهها، و تنطفئ شمعة الأخلاق - - علما ان احداث هذه الليلة العاطفية  تبقى راسخة في ذهن العروس مدى الحياة، فلا تنساها، تتذكرها بين الحين والحين بصورة جبرية، تشعر بالزهو والفرح، لو كانت العلاقة العاطفية الاولى في ليلة الزفاف،  جرت على ما يرام.

لكن يحدث احيانا ان يعتري العريس الشعور بالعجز. يكثر هذا خاصة في المجتمعات التي يكون الأنفصال بين الجنسين، عادة موروثة, كما هي الحالة في معظم البلاد  الأسلامية, حيث ان بعض الشباب يرى عروسته اول مرة ليلة الزفاف، اختارتها له امّه حسب ذوقها ومزاجها. والخطيب يبقى منفصلا عنها بقوة العرف الأجتماعي السائد فلا يراها ولا يكلمها ولا يألفها. ويبقى بينه وبينها حاجزا سميكا من الحياء والأحتشام، أما اذا سمح لهما برؤية بعضهما فسيكون ذلك بحضور الوالدين. فأذا جائت ليلة الدخلة بقى هذا الحاجز النفسي قائما. وقد يؤدي في بعض  الحالات الى العجز التام. وعلاج المشكلة ان يكون بين الخطيبين شئ من الألفة ورفع الكلفة ايام الخطوبة.
هناك ما يسمى في علم النفس ب ( نيوروز الترقب ) اي تعيين الميعاد وترقب ليلة الزواج، والذي بدوره قد يؤدي الى العجز كذلك. وهذه الحالة قريبة الشبه الى حال الطالب الذي يترقب الأمتحان ويخشاه، فيسيء الأجابة. اما اذا كانت بين الخطيبين الفة سابقة فأن احتمال هذا العجز يكون بعيدا.

 هناك حالتين : الاولى, هي وليدة الثقافة الدينية. ذلك ان الشاب قد يحب فتاته, لكنه يغمر شخصيتها بالسمو, وكأنها الفتاة المثلى التي لم يخلق الله مثلها والتي حوت الجمال كله، يشبّه صورتها بصور القديسات.
 والحالة الثانية هي وليدة التقاليد المحلية، حيث ان الوسط الذي ينشأ فيه العريس يسمّي الأعضاء التناسلية ( عورة ), وكان الاجدر به ان يسميها ( اعضاء الخلود ). ناهيك انه ينظر الى عملية المضاجعة الاصولية على انها ( عملية نجسة ) , يجب تجنبها، فلا عجب ان احدثت الاعتبارات الخاطئة هذه عجزا لدى العريس نحو عروسته.  لأنه يربأ بها عن هذه النجاسة التي (يحدثها) التماس الجسدي، فهو يرفع عروسته الى مستوى التجلّي الذي يتقاطع وممارسة الجنس.

والعلاج هنا هو تعطيل الوجدان بعض الشئ, وكأس من الخمرة تكفي لذلك. حيث انها تجعل الشاب ينتقل من موقف الأحترام والتبجيل الى موقف الأشتهاء وطلب اللذة.
 اي ان هذه الجرعة ( ستعيد ) الى الانسان نزعتة الفطرية الاولى في الخطف والأقتناء.
* مقتبس بتصرف من كتاب – المحاولات –  لسلامه موسى  

ماذا عن حقيقة الحياة والموت ؟


ماذا عن حقيقة الحياة والموت ؟
بقلم د. رضا العطار


الناس اما ان يكونوا متفائلين او متشائمين، والاخيرون يتخذون من الحياة مواقف سلبية. انهم يلتفون حول محور فلسفتهم بان الحياة ليست بذات قيمة لانها سرعان ما تتلاشى بعد ان يموت الانسان ويستحيل الى تراب، فموقف النبذ الذي يتبعه البعض في عدم الاقبال   على الحياة الا في اضيق نطاق، يمكّن للابقاء على الحد الادنى للمناشط الحيوية، وبناء على هذه النظرية النافرة، فانهم لا يستطيعون الوقوف على ما في الحياة من حق وخير وجمال. انهم لا يشاهدون في الحياة سوى القبيح و الباطل والشرير. فليست الحياة في نظرهم سوى خدعة يختلقها البعض لانفسهم وقد اشاحوا عن الحقيقة المرة التي تهيمن على هذا الوجود. ولعل الهيبيز قد نحوا هذا المنحى وضربوا عن الطريق.

المتشائم لا يرى في طبيعة الانسان غير الشر. ومن ثم فانك تجده ينظر الى الناس كذئاب تتربص بالحملان، فليس في نظره قانون يحكم العلاقات الاجتماعية الحسنة سوى قانون القوة - - - فالقوي ذئب والضعيف حمل. بيد انه لا يحصر القوة في مفهوم واحد بل ان القوة في نظرهم متعددة الاشكال والانواع. فثمة القوة العضلية والقوة الاقتصادية والقوة الادارية والقوة الحربية. المهم ان الانسان بازاء اخيه الانسان لا يقيم وزنا لخير يعتمل في جنباته بل انه ينبعث في سلوكه عن شر معتمل في قلبه و مغروس في جبلته حتى وان البس الشر اثوابا تظهره بمظهرالانسان الوديع المحب للخير.

كما ان الساخطون يتخذون موقف الاقبال بنهم على الحياة للاستمتاع بما تتضمنه من ملذات، ولسان حالهم يقول: طالما ان الحياة باطلة وفانية، اذن لنستمتع بها قبل ان نمرض و نموت، فهم لا يتناولون الحياة كشئ يستحق الاحترام والتقدير بل كشئ يستحق النهب والامتهان. فاقبالهم على الحياة ليس اقبال المحب المتلهف بل اقبال الناقم المنتقم.
انهم يتصفون باللامبالاة. فهم لا يجرون وراء الحياة ولا يجرون منها، انهم ينظرون بغير اكتراث الى انفسهم والى ما حولهم وكأنهم من غير اهل الدنيا، انهم لا يقيمون وزنا لانفسهم ولا لغيرهم ولا للامكانيات الكثيرة لهم ليعيشوا حياة احسن، انهم يقفون حيارى.
اما حالهم تجاه الموت، فانه لا يختلف كثيرا عن ذلك، فقد تجدهم يخشون الموت وقد ارتسمت علاماته على وجوههم وهيمنت المخاوف على حياتهم، انهم قد ينغمسون حتى آذانهم في التدين خوفا من آخرة كلها عذاب وبئس المصير، ويرتبط بهذا خوف اخر، هو الخوف من المرض الذي يقربهم من نار جهنم.

اما حياة المتفائلين فانهم قد ينغمسون في التدين لكن في اعتدال لا خوفا من مصير مدمر بل استبشارا بجنة فيها النعيم ومتع الروح. فاقبالهم على الحياة تتسم بالاخذ والعطاء، يسهمون فيها بقدر المستطاع وباخذون منها بقدر حاجتهم، انهم لا ياكلون ما يضرهم ولا يتحاشىون الدواء المر . انهم يهتمون بدقائق الحياة بغير مبالغة او توتر، انهم ايجابيون يعملون ويديرون ويثابرون على اقامة العلاقات الطيبة مع الناس ولا ينزوون في ركن قصي. وموقفهم من الموت يتسم ايضا بعدم الخوف و الهلع،  انهم يتقبلون الموت كواقع او كحلقة في سلسلة دورة الحياة الازلية. والمتفائل لا يتمنى الموت كي يتخلص من  الحياة بل هو يتمتع بالحياة في انحائها المتباينة مؤملا ان يرقى الى ما هو اسعد وازكى  وابهى. لذلك فانك لا تجد متفائلا يقبل على الانتحار هربا من الحياة بل تجده يحافظ على سلامته وسلامة اسرته بغير تشبث مرير بالدنيا، والمتفائل الهرم لا يبكي على شباب ولّى وانقضى بل يبتهج بشيخوختة التي قد لا تخلو من متع وجمالات، قد لا تقل عما يحمله الشباب.

والانسان في مثل هذه المرحلة من العمر المديد ينظر الى الوراء ويتذكرعلاقاته الماضية  مع مجتمعه من خلال حرفته او وظيفته. فإن كان نزيها في عمله، غمرت روحه موجة من السعادة والاعتداد بالنفس ، وان كان لصا اجربا، يبتز مواطنيه مالهم بطرق ملتوية، ابتأست روحه وشعر بوخز الضمير، وظن ان عباداته ستغفر له ذنوبه، فتراه يقضي جلّ ايامه الباقية في خوف وقلق.

 اما اذا كان قد انجز في ايام شبابه من عمل فني يتمثل اما في رسم لوحة زيتية رائعة او اصدار كتابا يفيد به ابناء جنسه في مجال النصح والارشاد،  او يكون قد عمل قطعة موسيقية يسر المرء سماعها، او انه كان عضوا فعالا في جمعية خيرية لمساعدة الارامل واليتامى مثلا، انذاك يشعر بالغبطة تغمره، وهو في حضور اسرته الكبيرة من الزوجة والابناء والاحفاد. يشعر بالبهجة تملأ نفسه، و يحس بانه خالد باعماله المجيدة
* مقتبس من كتاب التفاؤل والتشاؤم لمؤلفه سعدي ميخائيل      

الالكترون، تعلمنا معنى الحرية



  الألكترون في الذرّة،  تعلمنا معنى الحرية ؟        بقلم د. رضا العطار

لماذا نقصر امر (الحرية) على الانسان ؟ اللهم إلاّ اذا اردنا بلورة طبيعتها في عبارة لغوية تصفها وتحددها.  فإن كل كائنات الكون من الذرة فصاعدا الى الشموس والنجوم و المجرات، وإلى دنيا الاحياء من انسان و نبات وحيوان، نعم، ان كل كائنات الكون لها انصبة متفاوتة من الابداع غير المسبوق باسباب معلومة تنبئ عما يتولد عنها.
فكهارب الذرة ( الكترونات )  تقفز من مدار الى مدار (بحرية) دون ان يكون في مقدور العلم البشري ان يعرف عن تلك القفزات كيف تحدث ؟ ومتى ؟ ولماذا ؟ واذا اراد العلم صياغة قانون يحدد مساراتها، فليس امامه سوى تخمينات يمكنه الاعتماد عليها في عمليات التنبؤ.

اذن فالذرة حرة النشاط بمعنى من المعاني.  وعلى هذا الاساس يمكن القول كذلك بشئ من حرية النشاط في سائر الكائنات ما دامت كلها مؤلفة آخرالامر من ذرات حرة، حتى اذا ما ارتفعنا بالنظر الى عالم الاحياء، ثم سمونا في سلم الحياة لنبلغ ذروته متمثلة في الانسان، وجدنا تلك الحرية قد نمت عنده حتى اصبحت (ارادة) حرة
ومن هنا يمكن القول ان فكرة الحرية الاساسية لدى الانسان تكمن في الذرة !

هكذا جاء التحول العظيم في بنية العلم نحو حرية العقل، الذي به انبثقت الرؤى الثقافية بصفة عامة، فبعد ما كان القديم يأخذ بالفروض بغير برهان ويعطي حق التسليم بصحته، اصبح من حق الحديث ان يحرك اوضاع الحياة نحو الافعل والافضل والاقوى. 
وهكذا نرى فكرة (الحرية) في بلادنا، حتى عند اكثر المثقفين ضاقت حدودها بحيث كادوا يقصرونها على التخلص من قيود السيطرة الأجنبية بالمفهوم السياسي في اغلب الاحيان.  ومثل هذه النظرية الضيقة تضلهم في وهم كبير اذ تجعلهم يتوهمون انهم قد باتوا احرارا وما هم في حقيقة امرهم بأحرار.

فلأن تفك عنهم قيود السيطرة على اختلاف ضروبها لا يعني انهم قد صاروا بذلك احرارا بل يعني انه قد توافرت لهم الظروف التي تمكنهم من ان يكونوا احرارا لو ارادوا، لان الحرية في صميم معناها هي القدرة على العمل في الميدان الذي نريد ان نكون احرارا فيه.  ومعنى ذلك هو ان الحرية مستحيلة بغير علم بتفصيلات العمل الذي تزعم لنفسك انك حر في مجاله.  فمن تعلم القراءة والكتابة – مثلا – حر إزاء حروف الابجدية.  ويستطيع التصرف فيها تركيبا وتفريقا.  والزارع حر إزاء ارضه وادوات الزراعة والحرث والري التي يستخدمها، وسائق السيارة الذي يعرف كيف يصلح محرك سيارته اذا اصابه عطب، وكذلك قل في رجل السياسة إزاء المشكلات التي يعالجها في شؤن الحياة الداخلية وفي العلاقات التي تتشابك بين بلده وغيره من بلدان العالم وهكذا فالحرية الحقيقية هي المحصلة للمعرفة الحرة بالمجال الذي يريد ان يكون حرا فيه.

ومن هنا يتضح لنا كيف ان الحرية لا تكون مطلقة لأي انسان وانما هي منسوبة دائما لما يكون الحر على علم دقيق به.  وكان افلاطون قد ادرك هذا المعنى للحرية ادراكا واضحا اذ جعلها صفة تدور مع العلم وجودا وعدما، فحينما يكون للأنسان علم بشئ تكون له بالنسبة الى ذلك الشئ حرية بقدر علمه به.  وقد فصل القول في هذا المعنى في محاورة بين امير صغير وعبد يخدمه،  فمن حق الأمير ان يأمر العبد بما يشاء، وعلى العبد ان يطيع.  فالأرادة هي ارادة السادة الذين يملكون الرقاب.

لكن ذلك العبد كان يجيد رياضة الخيل وركوبها، وقد اراد الأب لولده ان يُدرب على ركوب الخيل، فأمر العبد ان يتولى بتدريب ابنه الأمير.  بمعنى ان يكون للعبد حق ان يأمر وعلى الامير واجب ان يطيع. اي ان الارادة تصبح للعبد وتسلب من السيد ارادته. واذا قلنا ( الارادة ) فقد قلنا ( الحرية )، ففي ساعات التدريب يصبح الحر هو ذلك العبد، والعبد هو الامير الذي كان حرا.  فماذا احدث هذا التغيير في الموقف ؟ انه ( العلم ) بالمجال الذي بين ايدينا وهو مجال رياضة الخيل وركوبها. فمن عرف العلم كانت له السيادة، وعلى من جهل، ان يتبع صاحب المعرفة.

وفي هذا السياق اود ان اقول ان الشعوب التي جاهدت للحصول على حريتها من قبضة المستعمريين،  ثم ظفرت بحقها اخر الامر بعد ان اخلى الغاصبون سبيل من كانوا في قبضتهم قد وقعوا في الفخ ولم تكن قد حسبت له حسابه اذ وجدت نفسها ابعد ما تكون قدرة على تزويد اوطانها بما هي في حاجة اليه اذا ارادت تحضرا وتقدما. ومن اين لها القدرة على علم تبتكره لتقيم عليه عملية التصنيع الذي لا غناء لها عنه في سلم او في حرب. ليس امامها الا ان تستعير ممن كان بالامس سيدا يتحكم في ارضها، علومه وصناعاته، فاذا شاء استجاب لها واذا شاء امتنع. فماذا يعني ذلك الا ان سيد الامس هو نفسه سيد اليوم، وكل الفرق بين الحالتين ان سيادة الامس كانت سلطانا ظاهرا وسيادة اليوم هي التي كُتب بها ان تكون للذين يعلمون على الذين لا يعلمون.

اذن كيف نصل الى الحرية الصحيحة ؟ السر يكمن في الطبيعة البشرية ( في الذرة ! ) الانسان بحكم فطرته،  مجبول على حب الحرية،  ليتاح له الاختيار الحر بين البدائل الممكنة في الموقف المعين لكي يكون ذا مسؤلية خلقية امام ضميره وامام مجتمعه،  ان ينتخب الشعب بطريقة ديمقراطية عددا محدودا ينوبون عنه في الاختيار في وضع القرار و لكن الامر كثيرا ما يجاوز الحدود المشروعة ويصل الجشع لدى المنتخب الى  ان يبتلع في جوفه ارادة المواطنين جميعهم لتبقى ارادة واحدة هي ارادته.

فإين المفر ؟ الجواب يكمن في التربية، والتربية وحدها هي السبيل. فعلى الشعب ان يفتح امام الجيل الناشئ طريق الحياة، بعد ان يغرس فيه روح التقديس للحرية وفضائل الاخلاق مؤكدا على حب الوطن والذود عنه.
 * مقتبس من كتاب حصاد السنين لمؤلفه د. زكي نجيب محمود.       

بين البوح والكتمان


                       بين البوح و الكتمان                بقلم د. رضا العطار

بدأ (س) يؤلف كتابا، وكان عنوان الفصل الذي كتبه في الصباح (الحب) قد وصل الى نقطة احس فيها ان قلمه يكاد ان يجمد وان السلاسة التي كانت تجري فيها الكلمات قد تعقدت، فعاد يقرأ ما كتب:
( يكاد الحب يكون غير طبيعي. لأن ما نجد في الطبيعة، في غير الانسان انما هو الأشتهاء الجنسي فقط. او حب الأم لأطفالها. ولكنها اي الأم تنسى هذا الحب عندما يكبر هؤلاء الاطفال.

اما حين نتحدث عن الحب بين البشر فاننا نتحدث عن سمة انسانية. وصحيح ان هذه السمة قريبة من حب الام لاطفالها بين الحيوان، لكنها بالطبع ادوم. اذ هي تبقى طيلة الحياة. ولكنها مثل حب الام بعيدة عن الاشتهاء الجنسي، بل يكاد يكون هناك تناقض بين الحب والاشتهاء. بحيث اذا زاد الاول نقص الثاني واذا زاد الثاني نقص الاول. وما نجده من الجمع بينهما في الانسان انما هو فن وليس طبيعة.

ولذلك ليس من الخطأ ان نقول ان الحب هو فن من الفنون الجميلة لا يختلف عن الشعر والرسم والنحت. ففي جميع هذه الفنون نجد ان الفنان يستنبط المعاني ويفطن الى اللمحات ويحاول ان يجسم الومضات. وكذلك شأن المحب، فانه يجد في حبيبته او حبيبه من المعاني الهاما. ومن الاحساس جمالا وهو يرى الرؤى ويحلم الاحلام عن هذه الشخصية التي يحبها. ولذلك كثيرا ما يكون الحب موضوع الشعر او الرسم بل هو اسمى الموضوعات لهذه الفنون اذ هو يجمعها كلها للتعبير عن حالاته.

والذي بجعل الناس يلتبس عليهم الحب فيحسبونه اشتهاء جنسيا انه يقع مدة الشباب. ولكن اذا تأملنا وعرفنا ان الجمال وهو موضوع الحب انما يبلغ ذروته في الشباب فاننا نستطيع عندئذ ان نعلل هذا التطابق بين الشباب والحب اذ هو في الاصل تطابق بين الجمال والحب. وليس في الدنيا اطرب واجمل من الحب.
ولذلك يجب ان ندرس الحب لشبابنا كما ندرس الرسم او الشعر او النحت ونعين فصول هذه الدراسة في بحوث مختلفة تلتف موضوعاتها حول شخصين محبين، كيف يعيشان في جمال وارتقاء وتعاون بحيث تسير حياتهما في ايقاع كما لو كانت رقصا او لحنا حتى لا يموت الحب. وهنا وقف القلم. فانه كان يريد ان يتناول الرقص وعلاقته بالحب ولكنه تذكر جمهور القراء الذين يكتب لهم، انهم شرقيون قد عرفوا الرقص الداعر وهم ينفرون منه ثم لم يعرفوا غيره. كما تذكر انه شرقي مثل سائر مواطنيه ولكنه ثائر على الشرق عندما ايقن ان عاداته تعوق ارتقاءه. ودعا الى ان ياخذ الشرقيون بعادات الغربيين كي ينهضوا مثلهم ولكنه لم يجن من هذه الدعوة غير الكراهية. واحس التناقض العميق بينه وبين مجتمعه. وكان اكثر ما يقطع كالسكين في كيانه النفسي انه كان يضطر الى التلفيق او كما يقول غيره (التوفيق) فانه هنا وقف لا يعرف كيف يكتب. وكانت دراسته السيكولوجية قد غرست فيه الاقتناع بان الكبت هو اساس التعب النفسي، فهو لا يستطيع ان يكتب ما يريد، هذا هو السبب في ان بعض الكتاب يجنون او ينتحرون.

كان له صديق طبيب سيكولوجي يدعى ص فأستعان به، ولم تمضي ساعة حتى كان عنده. وكان الأستاذ س على سريره في انهيار وتوتراته واضحة. وبعد ان اطلع على حالته النفسية اقترح عليه ان يغادر بيته الى فندق سياحي على ساحل البحر. وبعد ان يقضي اياما على رمال الشاطي ويستنشق نسائمه، و يستعيد نشاطه سوف يتشجع على الكتابة ثانية بمعنويات عالية و بالشكل الذي تريده افكاره.

فنهض الأستاذ س من فراشه واحس دبيب الانفراج يسري في قلبه وقال : نعم سأؤجل كتابي عن الحب. وسأشرع في نفض توتراتي جميعها. لماذا لا يمكنني ان أؤلف كتابا حسنا، فليست الحكومة بقوانينها هي العلة بل المجتمع هو العلة الاصلية. لأنه بعاداته البالية يعوق التفكير الحر. وسيحمل كتابي القادم اعترافاتي التي بها افيض قلبي.

وبعد ان حصل نصيبه من الاستجمام والراحة في وسطه الجديد انكب على الكتابة. فكان يهب الى المنضدة فيدون عناوين مبتكرة مثل ( لماذا تفشل العائلة ) و ( نحن صغار فكيف نكبر وننضج ) او (نحن احسن من القدماء) وشرع يؤلف كتابه في حماسة وسرعة لم يعهد مثلها من قبل.
وظهر الكتاب وكان عنوانه (عقدتي) مليئا بالاعترافات، شرح فيه موقفه من الثقافة السائدة في بلاده، فعرف كيف ينساق فيها، واوضح الفروق التي تفصل بينه وبين مجتمعه. فهو يبوح لما يختلج به نفسه من الكتمان والكبت واعتراف لما ترتاح اليه النفس وشكاية يبثها لتسمع. وقرأ الجمهور الكتاب في لهفة وتقبله الناقدون في سباب وبذاء. وعرف المؤلف ان توتراته كانت نتيجة تصوراته الخاطئة الذي كان يصف بها مجتمعه. فالجمهور  يقدر الصراحة والامانة فيمن يخدمه من الادباء والكتاب.
* مقتبس من كتاب ادب الشعب لسلامه موسى

المرضى يعلموننا

ac
 المرضى الذين يعلموننا     بقلم د. رضا العطار

 لو استعرضنا حياة العباقرة من الانكليز والفرنسيين لاحظنا الكثير منهم كانوا يعانون من ( عاهات العبقرية ) فقرحة المعدة كانت تنخس الاديب الشهير – كارليل – من وقت لأخر. والتدرن الرئوي كان ينصب امام الشاعر – كيتس – شبح الموت. اما الكاتب العظيم – بلزاك – فكان نصيبه من ضغط الدم العالي، عاليا.

ولكن العاهة التي تحفز التفكير ليست على الدوام مرضا في الجسم اذ هي قد تكون عاهة نفسية. كالعرج في الشاعر بيرون الذي عيرته به امه في لحظة غابت فيها مشاعر الامومة. او قد تكون العاهة عجزا جنسيا كما في رسكين وكارليل. فقد فرت زوجة الاول ولم تبالي بالفضيحة. اما زوجة الثاني فقد احبته ولكنها لم تنكر انها كانت تبيت في غرفة اخرى. ومثل هذه العاهة جديرة بان تحفز على السخط.

لكنه سخط  داخلي شخصي يتحول الى سخط خارجي اجتماعي.
يسخط المفكر على نفسه فيتأكله حقد على المجتمع، لكنه يحاول التفوق والتعظم كي يستعيض بهما عما يحس بالهوان ولانكسار، انه الاحساس بمركب النقص الذي يبعث فيه الرغبة في التكامل.

لقد كان لوفكاديو الذي الف اروع الكتب عن اليابان، مشوها، فنذر حياته كلها وهو يصف جمال  اليابان : ارضا وماء وجبالا ونساء وصبيانا.
وشوهة بيرون الاعرج جعلته يرصد حياته على جمال الفن في الشعر. 
كلنا يعرف ان السم الخفيف يقود الى النشاط ولكن الكثير منه يميت. قليل جدا من الزرنيخ يقوي وينشط ولكن الكثير منه يقتل. وامراضنا مثل النقرس والسكر والسفلس تفرز سموما، تحدث اضطرابا في اجسامنا، نتألم منها ونتأمل او نأرق ونفكر. او نسخط فندعو الى ثورة وتطور.

كان داروين وكارليل يأرقان في الليل الى قرابة الفجر. وكان كلاهما يشكو سوء الهضم وقرحة المعدة. ولكن هذا الأرق كان فترة الأختمار للتفكير العلمي عند الاول الذي اثمر نظرية التطور. كما كان فترة الاختمار الادبي عند الثاني وهو اختمار اخرج لنا عديدا من المؤلفات التي الهبت العقول واوجدت معاني جديدة للديمقراطية والانسانية في مثل (الابطال) و (الثورة الفرنسية ) من مؤلفاته.

لكن سموم الجسم اقل فعلا في تحريك الذهن من سموم النفس.
فلو كان الأب مثلا ظالما مستبدا، وقد كسر العود الذي في يد طفله، نشأ هذا الطفل وهو يكره الأب، وعندما كبر، تحولت ثورته على الاب الى الثورة على المجتمع كله. يبحث عيوبه ويدعو الى المساواة ومكافحة الظلم --- فأستحال مكافحة ظلم الاب الى مكافحة ظلم المجتمع.
وشوهة الجسم التي ولدنا بها، عرج او دمامة، هي في النهاية شوهة النفس التي تحفز الذهن على سد النقص ونشدان الجمال والكمال. بل يجب ان لا ننسى ان الفضيحة السرية في البيت قد تبقى وخزا ينخس وينبه ويوقظ. وبهذه الامراض يستحيل الذكاء الى عبقرية. اما اذا كانت هناك بلادة فان الاستحالة قد تقود الى الاجرام.
كل ذي عاهة جبار في ذكائه، وقد يصل منصب الوزير بذكائه ولو كان اعمى كما حدث لطه حسين. ولكن اذا لم يكن له من الذكاء اساس، فإنه يتسول حين يكون اعمى.   

وعندما لم يجد كارليل ما يؤمن به من عقيدة، وعرف انه لم يبق امامه غير المادية، تراجع وهو في رعب وقام في نفسه صراع يمزقها. ولكن هذه الحشرجة الذهنية انتهت بأهتدائه الى – ميلاد روحي جدبيد – فقد احس حبا جديدا للطبقات المسحوقة في الشعب، فيؤلف كتابه – علامات الزمن – الذي يشرح فيه انحطاط التفكير السياسي ويحمل على فسق الساسة الذين لا يخدمون الشعب بل يخدمون مصالحهم.
وهو حين يؤلف كتابا عن الثورة الفرنسية يطرب به ويقول : هاكم كتابا مارقا ملتهبا.
كان كارليل واحد من عشرات المرضى الذين علموننا.
 مقتبس من كتاب دراسات سيكولوجية لسلامه موسى.



الكوارث تعلمنا



الكوارث، تعلمنا              بقلم د. رضا العطار

من احسن ما انعمت به عليّ الأقدار انها اصابتني بطائفة من الكوارث في مراحل متفاوتة من عمري، كانت لي بمثابة الدروس العلمية التي تعلمت منها وخرجت من عبرتها اكثر حكمة واوضح بصيرة واسعد احساسا.

مرضت في طفولتي وبقيت بالفراش ايام طويلة. ولكن هذا المرض قد زال ولم يبق منه سوى هذه الذكريات المحببة الى قلبي وهي الساعات الحلوة التي كانت امي تقضيها جالسة بجانب سريري، تفضي علي رعايتها وحبها وحنانها،  تدعو الله لي بالشفاء وتمسح رأسي ووجهي بيدها الطرية الناعمة، وتقرأ الدعاء ليل نهار وتنفخه حول جسمي، (لطرد الارواح الشريرة التي جائت بهذا المرض) . وما زلت الى الان وانا في الحلقة الثامنة من عمري استعيد هذه الذكرى، فتغمرني منها سعادة واحس كأني املك كنزا لا يملكه احد غيري على هذه الارض.

وكارثتني الأقدار بصديق لازمني نصف قرن من الزمن سرقني وآذاني تحت غطاء خدماته الأجتماعية والعلاقات الودية المزيفة، كحرصه المفرط على رعايتي. في الوقت الذي كان فيه يسير طبقا لبرنامجه الذاتي في تحقيق مصالحه  المادية. ولكنه مع ذلك حملني على ان اتأمل حياته واتفحصها كما يتأمل الطبيب مريضه كي يتعرف الى اسباب المرض.
واني اؤكد اني لو كنت قد قرأت خمسين كتابا في السيكولوجيا، لما كنت قد انتفعت منها بقدر انتفاعي بهذا (الصديق). ففي الوقت الذي اتسمت علاقتي به بنقاء النية وحسن المعاشرة،  كانت علاقته معي في احيان كثيرة غير شفافة وغير صادقة، ولهذا تألمت منه. وقد ذهبت شروره وبقيت دروسه وبذلك زادني حكمة واكسبني معرفة.

وقد توافرت عليّ الكوارث التي لا اقول اني لقيتها مبتسما ولكني اقول اني لقيتها جادا متأملا. وكل ما خسرت من المال لا يبلغ ما كسبته منها بالاختبار والنمو. صحيح اني خسرت المال في غفلة مني نتيجة حسن ظني بالاخرين لكنني كسبت التجربة و الحكمة.
وقد فقدت هذا الصديق (العزيز) ولكني كسبت حنان ذكراه وذكرى العلاقات الانسانية الطيبة مع اهله واقربائه واصدقائه، هذا الحنان الذي يسري في خاطري كما لو كان اريج زهرة  او نشوة خمرة.

ان هذه الحياة تحتاج الى الدروس العملية. واعظم درس عملي هو كارثة موجعة تقع بنا وتنقلنا من عالم الذهول الى عالم وعي العقل، فنقف في الطريق ونتأمل ظروف ايامنا المستقبلية في ضوء حاضرنا وماضينا. وبهذا الوقوف والتأمل تنضج شخصية الانسان فيزداد احساسا وتعقلا ومعرفة --- اجل ان الكوارث تعلمنا.
من كتاب مشاعل الطريق للشباب لسلامه موسى. مع تعليق هامشي لكاتب المقال


     


لا تكن في حرب باردة مع نفسك



لا تكن في حرب باردة مع نفسك   بقلم د. رضا العطار                

كثيرا ما دعوت الى الاخذ بأساليب الحضارة الغربية الحديثة. وقد يعتقد من يقرأ قولي في هذا الموضوع، اني مغرم بهذه الحضارة لا اعرف ما هو اسمى منها. وهذا وهم اعذر القارئ عليه. ذلك ان ما يدفعني الى هذا القول -  مع علمي انها حضارة عدوانية مسلحة في السلم والحرب – هو اننا اذا لم نماشيها، استطاعت ان تهزمنا وتكتسحنا بل تبيدنا كما فعلت مع غيرنا. واكبر اسلحتها هو الصناعة التي يجب ان نعجل بل نهرول في الاخذ بها.

ولكني مع ذلك لا اعمى عن الغيب الاصيل في هذه الحضارة وهي انها انفرادية اقتنائية تزاحمية شعارها الذي تعمل به هو: تنازع البقاء، والبقاء للأقوى، وانا وحدي والموت للمتخلفين. وهذا النظام الانفرادي الذي تحاول جميع الطبقات الواعية ان تنتقل منه الى نظام تعاوني اشتراكي هو الاصل في اهدافنا الوطنية. ان جميع ما نعاني من هموم وتوترات ومخاوف قد تحملنا على الاجرام او تردينا في مهاوي الامراض الفنسية او تدفعنا الى الهروب والنسيان بالخمور والمخدرات.

هذا النظام الانفرادي هو الذي يشيع القلق بيننا، لأننا نخشى الافلاس والفقر والجوع. فنمتلئ هموما  تزيغ عيوننا وعقولنا عن رؤية الحياة كما يجب ان ترى بقيمها الانسانية الحقيقية بدلا من القيم الاجتماعية الزائفة التي تمليها علينا هذه الحضارة. ولذلك عندما نقول بالاخذ بالحضارة الاوربية العصرية يجب الاّ ننسى هذه العيوب الاصيلة فيها. وانما ندعو اليها موقتا كي نحتمي من عدوانها، سلاح بسلاح، ثم نسعى لأيجاد المجتمع الاشتراكي ( على النمط الحالي في انكلترى مثلا )  الذي يريحنا من مآسيها وفظاعاتها.

كلنا مهموم. والهموم سموم. تأكل اعصابنا وتصيب نفوسنا واجسامنا وتقصر اعمارنا.
فاننا نحيا بحكم الاخلاق التي يمليها علينا المجتمع الانفرادي الحديث في طموح يرهقنا ولا نستطيع ان نتحمل مسؤلياته. ونطمع في الثراء او الجاه بأكثر مما نطيق، ونعاني الوانا من الحسد والغيرة، فنحقد ونغتاظ ونتألم. وغالبا ما نكبت. وليس شئ يحطم الجسم والنفس مثل الكبت. واحيانا نستسلم لخرافات سخيفة،  تثير في نفوسنا عواطف زائفة قد تنتهي بموتنا او دمارنا او جنوننا.

اعتبر هذا المثل التالي  نموذجا ---  عامل فقير يشتغل في مصنع، يرهق نفسه كثيرا ويقلق، لتحسين ظروفه المعاشية، وبسبب هذا الارهاق والقلق الزائد نتج عنده زيادة في ضغط الدم. فصارت الصغائر تبدو له كبائر، ثم ذات صباح مات بانفجار في الدماغ.
فما تفسير ذلك ؟
كلنا يطمح الى النجاح، وهذا الطموح فضيلة اذا مارسناه في اعتدال. ولكن النجاح ماء ملح يزيد عطشنا. ولذلك ارهق هذا الرجل نفسه كي يستزيد من الكسب. فكان يجهد ويعمل اكثر مما يتحمل فلقى حتفه.
ومجتمعنا الذي يدعونا الى الاقتناء يدعونا كذلك الى الطموح واحيانا يقتلنا او نحن نقتل انفسنا بالعطش الى الاقتناء وباحساس الطموح المسرف وفي كليهما قلق وهمّ يحدثان ارهاقا يؤدي الى توترات لا نطيقها. و لهذا السبب فنحن في حرب باردة مع انفسنا. 

لقد قام الباحث الروسي الشهير بافلوف بتجارب على الكلاب نستطيع ان نستخرج منها حكمة لحياتنا. ذلك انه درّب طائفة من الكلاب ان تنتظر تقديم الطعام بعد رنين الجرس.
50 رنة في الدقيقة تعني طعاما، 100 رنة تعني الحرمان من الطعام. وكرر العالم هذا الدرس للكلاب حتى فهمته واستقرت عليه. ثم قام بتجربة اخرى تتصل بنا نحن البشر. وذلك انه جعل الجرس يدق 75 رنه ثم يقف. فلا هو يؤذن بالطعام ولا هو يمنع الطعام. فماذا حدث ؟ حدث الشك والقلق عند الكلاب. فصارت تعوي وتتضور كأنها تبكي وتتألم.

نحن في الحضارة الحديثة كالكلاب نعيش في قلق الشك لا نعرف هل سننجح ام نخيب ؟ هل نثرى ام نفلس ؟ هل نمرض ام نبقى اصحاء هل نحيا ام نموت ؟ وهل ان اولادنا سيحالفهم النجاح في الحياة ام يصيبهم الفشل ؟ --- فنحن نعيش في الحضارة العصرية على درجة 75 رنة في الدقيقة لا طمأنينة ولا يقين. ولذلك نحس القلق الذي يزيد من مخاوفنا وامراضنا النفسية الخطيرة.  يجعلنا دوما مكروبين ضائقين متوترين.

لقد وجد بافلوف ان الكلاب القلقة التي الحّ عليها بدرجة 75 رنة،  تقصر اعمارها وتمرض بأورام مختلفة ويسقط شعرها وتصاب بالروماتزم و تبكر في الشيخوخة.
اي ان القلق العصبي عند الكلاب، يقابله القلق النفسي عندنا، يعرضنا الى الامراض ويقصر اعمارنا.

وتوترات النفس تؤدي الى توترات الجسم والعلاج الاول لها هو النوم الذي وصفه الفيلسوف الالماني نيتشه بانه سيد الفضائل، ولكن يجب ان ننام كي نستيقظ لان النوم ليس غاية انما هو وسيلة لان نصحو ونجد وننتبه ونفهم. واذا كان النوم حسنا وافيا صارت يقظتنا حسنة وافية --- لا تكن في حرب باردة مع نفسك. فان نفسك هي انسانة جسمك ولا تثر في نفسك عواطف الطموح المسرف اوالجشع المفرط اللذان يسببان عواطف القلق والخوف ثم التوترات ثم الانهيار.

قاوم روح الحضارة الانفرادية فلا تتركها تكتسحك وفكر في الحب والقناعة وخذ بفضائل عليا واعظمها النجاح الصحيح مع النمو في الثقافة والتوسع في المعارف والحب للطبيعة والناس اجمعين. والاعتماد على العقل دون الانسياق وراء العواطف الضارة. واخيرا لا تنس ان غذاء نفسك هو الفنون. فتعلم فنا ومارسه. وكن ذكيا ! واعلى درجات الذكاء هو الأنسانية.
من كتاب دراسات سيكولوجية لسلامه موسى.
     

السخط المقدس



السخط المقدس                بقلم د. رضا العطار

كنت اتحدث من مدة قريبة الى احد الامريكيين، وجاءت مناسبة حملتني على ان اقول:
اننا امّة متسامحة. ولكنه على غير ما انتظرت، لم يمتدح هذه الصفة التي كنت اعدها ميزتنا متباهيا به،  اذ قال لي انكم تتسامحون اكثر مما ينبغي.
وهو يقصد هنا الى اننا نرضى بكثير مما تسخط عليه الأمم الأخرى في العالم  واننا لو نسخط كما يسخطون لكانت احوالنا افضل بكثير مما هي عليه الان. وقد عدد لي اشياء قبيحة نرضاها ونسكت عنها وكان يجب ان نأباها وان ندعو الى معالجتها قبل ان تفتر وتتأصل.

نحن نسكت مثلا على بائع تذاكر السفر حين يطالبنا بمبلغ اضافي بذريعة التبرع لأحدى الجمعيات الخيرية. ونحن نسكت على الموظف الذي نتقدم له بطلب فيتركنا واقفين ليشرب قهوته على مهل. ونحن نسكت على اوساخ وقذارة الشارع ولأننا نتسامح في بقاء الفقر ونرضى ان يعيش الفقراء في بيوت تخلوا من ابسط الشروط الصحية.

ونحن نسكت على الرؤساء في المصالح. يتحيزون لبعض الموظفين دون غيرهم او يرتشون، فيرفعون درجاتهم ويتركون الموظفين النزهاء بلا وجه حق. يحرمونهم من الدرجات التي يستحقونها. ونحن نسكت عن فوضى الغلاء وانتشار الفساد في شتى مرافق الحياة.

نسكت كثيرا وكان يجب ان نصرخ ساخطين لاعنين. وعند الاوربين تعبير جميل يدل على حياتهم اليقظة وضميرهم المتحفز، من قولهم – السخط المقدس –
هذا السخط الذي يجب ان نحسه نحن حين نجد الفاقة السوداء تتمرغ في الوحل ونعاني الازمات ونعيش في الظلام مع ان بلادنا غنية. وكان يجب ان نكون اغنى لو اننا كنا جادين عاملين على زيادة ثرواتنا.
هذا السخط المقدس هو الذي يجب ان نحسه حين نجد ان الاستبداد يعلو والحق ينخفض.
ان علينا ان نحدّ من تسامحنا وان نسخط كثيرا على احوالنا التعيسة وان نرفض بقاء الفقر ما دمنا قادرين على مكافحته، او ما دام بعضنا قادرا على محوها.
من كتاب مشاعل الطريق للشباب لسلامه موسى.


ما هي الحرية ؟



الحرية هي فكرة قبل كل شئ               بقلم د. رضا العطار

ليست الحريات حقوقا وانما هي افكار اولا نتشربها ونجد ضرورتها فنمارسها ثم نحميها من المستبدين اعداء الانسان. وفي النهاية نحس انها حقوق.
فليست حرية الصحافة مثلا شيئا عند الفلاحين الذين لم يقرأوا الصحيفة. ذلك لأنهم لم يتشرّبوا فكرتها. ولكنها شئ عظيم جدا عند المفكر والصحفي والمؤلف وكل انسان قارئ يعرف قيمة الخبر الصحيح والرأي السديد.

وكذلك حرية العلم ليست شيئا عند الذين لم يدرسوا العلوم ولم يعرفوا قيمتها في الارتقاء البشري. ولذلك لا تجد هذه الحرية من يطالب بها سوى عدد صغير من المعلمين حتى في الامم الراقية.
وحرية الاجتماع وحرية الصحافة بل حرية الزواج اي اختيار الزوج او الزوجة هذه الحريات تحتاج الى وعي بالفكرة. ولهذا السبب لن نستطيع اقناع بعض الأباء في الريف بان للفتاة الحق في ان تقول: لا، لمن يريد ان يخطبها، لو كانت هي لا تريده. ولكن هذا الحق مقدس بل هو حق بديهي مسلم به عند جميع الأباء في الامم المتمدنة. لان هؤلاء الاباء متمدنون.

الحرية او بالاحرى الحريات تحتاج الى ان نكون متعلمين حتى نعرف قيمتها وحتى نمارسها ثم ندافع عنها. ولكن ليس معنى هذا ان ننتظر حتى يتعلم جميع الناس ثم نمنحها لهم. لا --- اذ هي حق مشاع للجميع. وان كنا نعرف انه ليس بين هؤلاء الجميع سوى عدد صغير قد تشرّب الفكرة واحسّ انها حق.

عندما كان الزنوج عبيدا يشترون بدراهم قليلة لم يكونوا يحسون ان لهم الحق في الحرية لانهم لم يكونوا قد تشرّبوا هذه الفكرة. ولذلك كانوا يستسلمون للرق.
وهكذا الشأن في كثير من الحريات التي يستمتع بها المتمدنون. فانهم جعلوها حقوقا بعد ان كانت افكارا تشربوا معانيها ودلالاتها، ثم صاروا يدافعون عنها.

ولذلك عندما نجد في بلادنا من ينكرون على المرأة حرية العمل الحر او حرية الاختيار للزوج او حرية الاختيار لأسلوب العيش، ثق ان هؤلاء المنكرين لم يستوعبوا هذه الافكار بعد،  لانهم امضوا اعمارهم في جهل عميق بعيد عن الحياة العصرية. ولذلك يجب ان نعذرهم على تخلفهم ونعلمهم طريق الصواب.
من كتاب مشاعل الطريق للشباب لسلامه موسى.




فكر الانسان كرامة الانسان



فكر الأنسان كرامة الأنسان                     بقلم د. رضا العطار

القوة الحقيقية للقلم هي ان يستطيع ان ( يقول وقتما يريد ان يقول ... )
والرجولة الحقيقية هي ان يبذل المرء دمه وماله وراحته وهناءه وعياله وكل أثير عنده وعزيز عليه في سبيل شئ واحد اسمه : ( الكرامة ) .
والكرامة الحقيقية هي ان يضع الانسان ما له في الحياة في كفّة وفكرته ورأيه في كفة. حتى اذا ما ارادت الظروف وزن ما في الكفتين، رجحت في الحال كفة الفكر والرأي! ...

كل عظماء التاريخ كانوا كذلك بل ان وطننا العربي الكبير قد عرف ذات يوم رجالا كثيرين من امثال هؤلاء --- رجال لم يترددوا في تضحية كل شئ من اجل فكرتهم وعقيدتهم --- والنزول عن كل ما هو غال ونفيس من اجل ذلك --- بمثل هؤلاء الرجال ربحت البلدان كثيرا في حياتها المعنوية والفكرية --- بل اني لا ابالغ اذا قلت ان الامم لا تبني ولا تقوم الاّ على اكتاف هؤلاء. --- وان من الحظ التعيس ان تخلو امّة من امثال هؤلاء --- نعم انه ليخالجني الان شئ من القلق.  فناموس اليوم هو وطء الفكرة بالاقدام ركضا وراء الجاه الزائف والمال الحرام.

لقد حق لنا جميعا ان نسأل هذا السؤال: هل يطول غضب الله علينا فلا يظفرنا بهؤلاء العظماء الذين يستطيعون ان يردوا الاعتبار الى قيمة الرأي ويطهروا النفوس المريضة من درن المادة ويعيدوا المثل العليا النبيلة وعلياء المجد الى مجتمعهم ؟

اني واثق ان عراقنا اليوم يجمع بين ارجاءه عددا كبيرا من العقلاء الذين يستطيعون تمحيص المسائل وبحث المشكلات وابداء الرأي الذي ينفع البلاد --- ولكن مع الاسف ان الأغلبية منهم  يطوون الرأي في الصدور او يهمسون به في الأذان --- ولا يعرضونه بجرأة او ينادون به في ايمان، خشية ان يتعرضوا لهجوم او يلحق مصالحهم ضرر موهوم --- هذا الاحجام من قبل الاكفاء الناضجين عن المشاركة في توجيه الرأي العام هو الذي يخلق في مجال الاراء حالة تشبه الحكم المطلق.

اذ تستبد فكرة واحدة بعقول الناس ويطغى رأي واحد على تفكير الجماهير --- فتؤمن دون مناقشة بالقول الغالب وتنساق دون وعي بالرأي الجارف --- فنحن في حقيقة الامر الذين نفرض بانفسنا على انفسنا الحكم المطلق --- دون النظام الديمقراطي الذي نتبجح به .  اننا نحن الذين ننزل عنه راضين. لاننا في قرارة انفسنا لانريده طالما نحن ورثة  الارث الاقطاعي، فكيف ندافع عنه ونحتضنه. --- اننا نفضل دائما ان نقبل رأي غيرنا الذي لا نؤمن به.
ما من نظام في الوجود يكفل الحرية لأنسان دون ابداء رأيه الحر والعمل من اجله.
اذا اردتم الحرية والكرامة، فأفحصوا كل رأي بعقولكم ولا تقبلوا بآراء غيركم ان كنتم على حق. حتى لو كانوا اعز اصدقائكم.
ان الكلب على مروءته محتقر --- لا لشيء الاّ لأنه قبل ان يضع الانسان في عنقه قيدا وان كان هذا القيد من ذهب !
من كتاب تحت اشعة الشمس لمؤلفه توفيق الحكيم، مع التصرف

لاخلاق بين الاتباع والابداع

قراءات فلسفية – الأخلاق بين الاتباع والابداع    بقلم د. رضا العطار

حينما يتحدث فلاسفة الاخلاق عن ترقي حياة الانسان، فانهم يشيرون في العادة الى مستويات ثلاثة : 1 -  (مستوى الغريزة) الذي يمثل سلوك الفرد الذي تحدده حاجاته الاساسية وغرائزه الاصلية.  2 – (مستوى العرف) وهو السلوك الذي ياتي متفقا مع ما تقضي به عادات المجتمع الذي ينتسب اليه. 3 – (مستوى الضمير) الذي يكون فيه سلوك الفرد ما يرتضيه حكمه الفردي على الصواب والخطأ او الخير والشر
وليس لدينا من الادلة ما يحفزنا على الظن بان هذه المستويات الثلاثة تمثل مراحل متعاقبة، اجتازها الفرد في تطوره التاريخي. 

ولكننا نلاحظ  ان الحياة الخلقية للفرد قد انتقل به من مستوى (الطبيعة) الى مستوى (العقل) ومن مجال الاتباع والتقليد والمسايرة الى مجال الابداع والتجديد والمبادأة- - - والحق ان للاخلاق وظيفة مزدوجة، وظيفة تقليدية محافظة هي في صميمها عبارة عن نقل (القيم الروحية) من جيل لأخر ووظيفة نقدية مجددة هي في جوهرها بمثابة تجاوز للماضي والتمرد على المعايير القديمة البالية - - - ولا شك انه اذا كان كل من الفرد والمجتمع هو في حاجة الى الاستقرار والاستتباب والتوازن، فان كلا منهما ايضا هو في حاجة الى التجديد والابتكار والاصالة.

ومهمة الاخلاق لا تقف عند حد نشر المعايير الجماعية والقيم البشرية بل هي لا بد من ان تمتد ايضا الى خلق روح النقد والابداع في نفوس كل من الافراد والجماعات.
حقا انه لمن الصعوبة بمكان ان نوفق بين الحاجة الى الاتباع والتقليد والمسايرة والحاجة الى الابداع والتجديد والتغيير. ولكن من المؤكد ان الفهم الصحيح لمهمة (الاخلاق) انما هو ذلك الذي يقوم على المزج بين هاتين الحاجتين الاساسيتين لكل من الفرد والجماعة - - - وحين يتناسى المربون والمصلحون والاخلاقيون ان الوظيفة الحيوية الاولى لكل من التربية والاخلاق هي تسليم الثقافة ونقل القيم الى رجال المستقبل الذين هم ورثتها الشرعيون. فان مهمة المفكرين والفلاسفة عندئذ لا بد من ان تنحصر في العمل على تذكير الجيل الجديد بمعايير جماعته ولباب تراثها الحضاري وثمار قيمها الروحية.

وحينما يغلب على الافراد وبالتالي على المجتمع طابع التقليد والمحافظة والاتباع فهناك تكون مهمة اهل الفكر هي العمل بكل ما لديهم من قوة على تفتيح اذهان النشء لما ينتظره من قيم جديدة ومعايير مجهولة وامكانيات روحية بعيدة المدى - - - ومعنى هذا انه لا بد لفيلسوف الاخلاق من ان يشق طريقه وسط اتجاهين متعارضين يريد الواحد منهما ان ينظر الى الوراء ويحافظ على مكاسب الماضي بينما يريد الثاني منهما ان يبصره الى الامام وان يعمل على استحلاء قيم جديدة لم يقدر لها بعد ان ترى النورز
·        مقتبس من كتاب فلسفة الحياة د. زكريا ابراهيم – القاهرة

    

شهوة التطور



شهوة التطور  بقلم د. رضا العطار

لم نسمع قط  ان انسانا تقدم للقتل راضيا في سبيل اكلة لذيذة يشتهيها او عقار يقتنيه وانما سمعنا ان اشخاص عديدين تقدموا للقتل من اجل عقيدة، آمنوا بها ولم يقرهم عليها الجمهور او الحكومة، وسمعنا ايضا عن اناس ضحوا بانفسهم في سبيل اكتشاف او اختراع. 

فما معنى ذلك ؟ معناه ان شهوة التطور في نفوسنا اقوى جدا من شهوة الطعام او شهوة اقتناء المال.  وان هذه الشهوة تبلغ من نفوسنا اننا نرضى بالقتل في سبيل ارضائها واننا لا نقوى على انكارها وضبطها. فالحياة من دأبها التحول من ادنى الى اعلى والتجدد باكتساب عناصر مما حولها وتنقيه من بعض ما علق بها من شوائب.  ونقول بعبارة اخرى ان من دأبها التطور، فاذا وجدت ان انظمتنا الاجتماعية قد سدت عليها ابواب تالتنطور فانها لا تنفك تحاول فتحها او تموت دونها راغبة في ما هو ارقى منها.

والجمود هو طبعا المؤسسات الاجتماعية بينما التطور هو طبيعة الحياة، فاذا اتسعت الهوة بينهما عمدت الحياة الى الخروج والثورة والتحطيم - - - وهذا هو معنى استشهاد الانبياء والفلاسفة وغيرهم في سبيل ارائهم الجديدة التي ينشرونها علةى الناس  فسقراط يشرب السم راضيا لانه يشعر ان شهوة التطور التي نزع به الى العلا اقوى من شهوة البقاء.  والمسيحيون يرضون بان تأكلهم السباع في ملاهي الرومان ويؤثرون هذا القتل المرعب على البقاء جامدين راضين بديانة الاباء. 

فالعالم يجلس امام بودقته داخل مختبره ويحاول اكتشاف حقيقة علمية قد تبصر بها قلبه، فانكب راضيا بالجهد والفقر والموت حتى يبلغها،  وكل هؤلاء آلات تستعملهم الحياة لاغراضها العليا، لتحقق بهم ناموسها العظيم وهو التطور - - - وليس الاضطهاد الذي اصاب حرية الفكر والاستشهاد الذي رضى بها الاحرار سوى صراع اضطرع فيه الجمود والتطور، جمود القاعدة الاجتماعية مع تطور الحياة.   فالفوز على الدوام للتطور.
·       مقتبس من كتاب حرية الفكر لسلامه موسى


نكون او لا نكون ؟



نكون او لا نكون ؟                  بقلم الدكتور رضا العطار

قال سياسي معاصر في اوربا تبريرا لأستعداده الحربي :
( انه سيحارب دفاعا عن مستوى معيشته المهدد بالانخفاض ) هذا القول هو لسان حال كل رجل يستمتع في الغرب بثمرات الحضارة.  انهم يهبون هناك للحرب كلما خيل لهم الوهم انهم يرون حياتهم ستكون خلوا من طبق جيد من اللحم يوضع على المائدة، ومن كتاب جيد يقرأ بهدوء الى جانب المدفأة، ومن ساعات ممتعة تقضى في دار اوبرا.  او قاعة موسيقى او مسرح تمثيل - - -   هذا الحرص على ثمرات الحضارة يبذلون في سبيله دمائهم ودماء ابنائهم بلا تردد.

اما نحن، في البلاد العربية، فعندما ننهض قليلا لنطلب نصيبا متواضعا من الحضارة، نحن الذين عشنا طويلا ولم نزل نعيش في الفقر والحرمان ولا يعرف غالبية الحفاة من الطبقة الفقيرة من شعبنا طعم اللحم الا في بعض المواسم ولا تستطيع ميزانيتنا الوطنية  ان تستقطع من قوت الشعب ما تشيد به دار تمثيل واحدة معدة اعدادا حديثا لعرض فن جيد، نحن الذين نكد بحثا عن موارد تزيد من ثروتنا الزيادة التي تسمح لنا قدرا من الحضارة التي نحلم بها. 

نحن الذين طرقنا كل باب نلتمس المعونة لتجديد حياتنا، نقيمها على اسس عصرية من الانتاج والفكر والفن، نحن الذين استيقظنا ودب فينا الوعي ولمحنا عتبة الحياة الجديدة التي تنتظرنا، فهممنا نخطو اليها مستبشرين - - - وفجأة نجد من يقف في وجوهنا ويقول : مكانكم - - - ان الحضارة ليست من نصيبكم، لأنكم لا تستطيعون دفع تكاليفها. 
نحن الذين نسمع كل هذا ونراه، أليس من الواجب علينا ان نقول للدنيا : سندفع تكاليف الحضارة ولو من دمنا ! - - - نعم ولو من دمنا ! اذا كانوا هم هناك في الغرب يبذلون دماء ابنائهم بشجاعة حتى لا ينخفض مستوى استمتاعهم بالحضارة، فهل نفقد نحن حتى الشجاعة في الدفاع عن حق صغير من نصيب بسيط من هذه الحضارة ؟ .

انا لست من دعاة الحرب ولا من المحبين للعنف، وان السلام هو رجائي والصفاء هو امنيتي - - - ولكن اذا حال احد بيننا وبين حظنا من الحضارة فلا خير فينا اذا تخاذلنا، ولا قيمة لجياتنا اذا فقدنا الامل في حياة افضل - - - ان الحياة كالبهائم والانعام خير منها العدم، ها هنا موطن شجاعتهم في الغرب ! انهم يلقون بحياتهم رخيصة كلما خافوا عليها من الانحدار الى مستوى لا يرضونه.  ونحن ايضا لن نقل عنهم شجاعة. 

لن يكون لحياتنا الفارغة او التافهة ثمن عندنا – سنجعل منها حطبا نحرق فيه كل من يقف في سبيل أمالنا في التقدم.
ان المسئلة لدينا اصبحت تتلخص في هذه العبارة : نكون او لا نكون ؟
لم يعد الحال بعد ما صرنا اليه من يقظة ووعي يحتمل مكانا وسطا بين الوجود والعدم. 
اما ان نوجد وجودا حضاريا واما ان ننقرض --  هذا فيما اعتقد --  شعور الجميع،
 وهو شعور مشرف، لأنه شعور كل الامم عندما تنضج للحضارة وتضع نصب اعينها هذه المسئلة، فان قوتها ستكون هائلة لأنها انما تضع حياتها كلها ثمنا لتوجد، او تولد من جديد. وهذا الثمن اذا دفع بشجاعة واخلاص فانه قلما ينفق هباء. 
* مقتبس من كتاب ادب الحياة لتوفيق الحكيم


                                        

حيرة الانسان امام المجهول


حيرة الأنسان امام المجهول !         بقلم د. رضا العطار

تعالج الفلسفات المعاصرة (المواقف الحدية) في صور ادبية، تلك المواقف التي تشكل جزءا من ماهية الأنسان. وهي في الوقت ذاته تمثل ( حدا لقدرته وحريته ) بحيث لا يكون في استطاعته ان يتغلب عليها من ناحية، كما انه لا يستطيع تفسيرها من ناحية اخرى، ولا يبقى امامه سوى ان يستسلم لها ! ومن اوضح الامثلة على هذه المواقف الحدية عدم قدرة الانسان على الافلات من الموت. اي انه كل ما يعمل، لا يحميه من النهاية المحتومة.

واذا كان في استطاعة العلم ان يعمل على اطالة عمر الانسان، فان هذه الاطالة لا يمكن ان تمتد بحيث تساعده في النهاية على الافلات من الفناء المقدر له.  ! لك ان تقول ان متوسط عمر الانسان كان كذا في الماضي واصبح الان كيت بفضل تقدم الطب. واكتشاف الامراض. وتطور ادوات التحليل ودقتها وابتكار الجديد من العقاقير الخ. فالموت يمثل الجدار الصلب الذي تصطدم به قدرات الانسان يعجز من الوقوف امامه ولا يستطيع ان يفعل شيئا سوى الاستسلام.

واذا كانت نهاية الانسان لغزا محيرا لا بد ان يستسلم له كل من يجاهد في حله اوتفسيره.
فان بدايته هي ايضا لغز، لأنها تعبر عن موقف آخر من المواقف الحدية، ونحن نقصد بالبداية (اللحظة التاريخية) المعينة التي يجد المرء نفسه فيها وقد قُذف به فجأة الى الحياة بغير رأي او مشورة ! فلم يسأله احد متى تحب ان توجد ؟  وفي اي عصر تود ان تقضي حياتك ؟  وفي اي مجتمع تريد ان تعيش ؟ واي لون من الوان الثقافة تفضله اكثر من غيره ؟ واي لون بشرة تروم ؟ لا احد يسأله ولا احد يطلب رأيه وانما يجد نفسه وقد القي به في قلب الوجود، ثم يُترك حائرا امام لغز محير ليقول مع الخيام:

             لبست ثوب العيش لم استشر      وحرت فيه بين شتى الفكر !
ومن هذه المواقف الحدية ايضا : العذاب، والألم، والمعاناة، والشعور بالأسى، -- الخ
فقد يعجب الفقير اشد العجب عندما يجد الغني يشكو ويتذمر ويكاد صدره يتفطر من البغض  والحسد او من الشعور بالتعاسة والشقاء،  متهالكا في تكديس ثروة اكثر، لأنه يعتقد ان (الفقر) هو وحده مصدر العذاب والألم. اما الاغنياء فلا يحق لهم الشكوى لانهم لا يعانون ما هو يعانيه – انه لا يعلم ان الألم والمعاناة هي من الواقف الحدية التي هي جزء من جوهر الانسان.

جاء في الاساطير القديمة ان ملكا مرض بمرض عضال استعصي على الاطباء معالجته، وان كانوا قد اجمعوا في نهاية الامر انه لا شفاء للملك من هذا المرض الغريب الاّ اذا لبس قميص رجل سعيد. وانتشر اعوان الملك وحاشيته يجوبون ارجاء المملكة بحثا عن ذلك السعيد الذي سيكون في قميصه شفاء للملك. لكنهم كانوا كلما مروا في طريقهم بواحد من الرعية سألوه : أسعيد انت ؟ فيجيب الرجل في امتعاض : أنا ؟ لن تجد في الدنيا من هو اشد مني تعاسة! .  واحتار الاعوان، لكن الفرج جاء عندما وجدوا راعيا فوق الجبل يرعى غنمه وهو يغني جذلان فرحا، فهرولوا اليه ليطرحوا سؤالهم التقليدي : أسعيد انت ؟ فأجاب الراعي نعم سعيد سعادة لا حد لها! فتنفسوا الصعداء : اذن الينا بقميصك يرتديه الملك فيشفى ! فأبتسم الرجل وهو يقول : قميصي ؟ لم يحدث ان ارتديت قميصا في حياتي !! وتركوه ... ومن هنا ظهر المثل القائل:
 ( السعادة عند من لا قميص له ).

وقل مثل ذلك في الخطأ، فلا بد للفرد ان يخطئ : ( لا احد معصوم من الخطأ )
او ان ( الانسان خطّاء بطبعه ) واذا كانت مظاهر المدنية الحديثة هي الميدان الذي تتجلى فيه عبقرية الانسان وذكاءه وسلامة تفكيره على نحو ما يعبر عنها هبوطه على القمر وبناءه للصواريخ وسفن الفضاء فضلا عن الطائرات والقطارات وغيرها من الآلات والادوات الخ . فان مصرع رواد الفضاء وحوادث الطائرات وغرق السفن في المحيطات واندلاع الحروب دليل قاطع على ان الانسان يقع في الخطأ.
فانت لا تملك امام هذه الكوارث البشرية سوى ان تقول : هنا اخطأ انسان ما. فما دام الانسان يعمل فلا بد ان يخطئ بل ان امتناعه الكامل عن العمل يُعدّ خطأ. وربما كان هذا الخطأ سببا في حدوث عواقب وخيمة، تكون نتائجه اشد خطورة من العمل نفسه.
 * مقتبس من كتاب افكار ومواقف لمؤلفه امام عبد الفتاح امام

  

   


مصير الانسان الى اين ؟


  مصير الانسان، الى اين ؟            بقلم الدكتور رضا العطار

 جاء في كتاب (لموريس نترلنك) هذه العبارة:
(سوف يأتي على الانسان حين من الدهر يأبى فيه الحياة، ما لم يكن عائدا الى الحيوانية)
فذكرت من الفور الملك شهريار في قصة شهرزاد. ان هذا الانسان قد حاول عبثا ان يتذوق الحياة في آخر ايامه، فلقد بلغ من التجرد الفكري وقتئذ مبلغا باعد بينه وبين البشرية، هذا الرجل كا قد مر بكل الاطوار التي تعرفها الحياة الانسانية، فقد عاش حياة الحيوان، يوم كانت تقدم له في كل ليلة فتاة يقتلها في الصباح، وعاش حياة القلب يوم عرف شهرزاد فأحب جوارها ونسى القتل، وجلس اليها ينظر في عينيها ويصغي الى قصصها، ثم عاش حياة العقل يوم ايقظ فكره حديث شهرزاد واتسعت امام بصيرته آفاق عوالم ليس لها حدود، فنهض على قدميه يهيم في اجواء الفكر باحثا عن العالم المجهول لأستكشاف المستور، ولم يسعفه العلم فلجأ الى السحر، ولم يطفئ غلته السحر فعاد الى الفكر وضاقت به الارض فتطلع الى السماء ولكن السماء لا يرقى اليها البشر وهو لا يريد العودة الى الارض، تلك الارض التي سئمها وعاف ثمارها المادية واستنفذ لذائذها السفلية والعلوية.  لقد فرغ من كل شئ وشبع من كل شئ ولم يعد على هذه الارض شئ يغريه بالبقاء الا ان يعرف.  انه يريد ان يعرف تلك اللذة الوحيدة التي بقيت له وذلك هو خيط الامل الذي يربطه بالحياة، ولقد اصابه في ذلك ما يشبه الخبل، فهو يمضي الليل يتطلع الى نجوم السماء كأنه يسألها ان تجيب على اسئلة فكره الحائر. 

فقد ايقن ان الجسم هو الوتد الذي يلصق روحه بالارض، فثار على الجسم واراد ان يتحرر من سجنه، وسجن الجسم هو (المكان) كما ان سجن الماء هو (الوعاء) فرأى ان يفر من جدرانه بالسفر والرحيل. فطاف في البلاد والقفار حتى وجد نفسه آخر الامر يعود الى حيث بدأ المطاف فادرك ان ليس في السفر سوى تغيير اناء بعد اناء.  ومتى كان في تغيير الأناء تحرير (للماء)

في هذه الاثناء كانت شهرزاد ترقبه في عطف ويأس وعلمت انه انسان هالك فهو قد ترك الارض ولم يبلغ السماء بل تعلق بينهما، ينخر فيه القلق. وجعلت تحتال في علاج الداء.  فاما السماء فمن الجنون ان يفكر انسان في بلوغها. فلا مناص اذن من اعادة شهريار الى الارض اذا اريد له الحياة، فلجأت الى (العبد) كي يعينها على ايقاظ (الحيوان) المحتضر في اعماق شهريار، لكن التجربة لم تنجح فكان على شهريار ان يختفي من مسرح الوجود - - - انه ككل شئ في هذا الوجود قد دار وصار الى نهاية دورته، فاذا عاد فانما يعود من اول الحلقة : مولودا جديد
ا يمر بطور الحيوانية من جديد.
* مقتبس من كتاب ادب الحياة لتوفيق الحكيم


لكل انسان فلسفته


لكل عصر فلسفته          بقلم الدكتور رضا العطار

مما يجهله كثيرون ان التفكير البشري ظاهرة اجتماعية. واقرب ما يدل على ذلك انه غير مستطاع الا بالكلمات، اي باللغة، لان اللغة هي الآلة التلفونية بين افراد المجتمع.
واذا نحن تصورنا انسانا يعيش في صحراء وقد نشأ فيها منذ الطفولة، فاننا نقطع بانه لا يستطيع التفكير الا بمقدار ما يفكر الذئب او الضبع، اذ ليست له لغة - - - ولكن نظام المجتمع زيادة على كلمات اللغة يعين تفكير الاديب والفنان والفيلسوف.  وهذا واضح في الاديب العربي القديم كما هو واضح في الاداب القديمة للأمم الاخرى.

فقد كان الاديب يكتب للملوك الذين يعتمد في عيشه على بقائهم وبقاء حواشيهم من امراء واثرياء وفقهاء - - - ولذلك كانت كتب الادب صنفين احدهما لتسلية الملوك مثل الأغاني للأصفهاني، واآخر لدراسة الاداب التقليدية مثل الكامل للمبرد.
والملوك تعيش بالتقاليد فكان مثل المبرد يجد العيش والحافز في تأليفه مثل هذا الكتاب لان مناخه الذي ينمو فيه هو المناخ الملوكي.  وكان هذا شأن الفلسفة ايضا. 

لان الذين كانوا يدرسونها كانوا من الفقهاء في الدين فكانوا لهذا السبب يحرصون على ان تخدم الفلسفة التقاليد والعقائد.  وليس المعنى هنا انه لم يكن هناك شاذون مثل ابن رشد او محي الدين بن عربي لان في كل مجتمع طوائف شاذة او ساخطة - - - لذلك كان اهتمام الفلاسفة مقصورا على بحث القيم العقيدية وليس القيم الاجتماعية. 
حيث ان الاهتمام كان يتجه في الاكثر نحو استخدام الفلسفة لتأييد العقائد وفي الاقل لبحث الاسلوب الصتاح للعيش في هذه الدنيا.  ولم يكن شأن المسلمين او اليهود فقط بل كان شان المسيحيين ايضا.  ولم يكن من الممكن ان يكون غير ذلك في اوربا اذ كان الفلاسفة السالفون من رجال الدين او الرهبان فكانت القيم الفلسفية فيها دينية على الدوام.

كانت الفلسفة قديما تحطم نفسها على صخرة الغيبيات، فتيأل: ماذا بعد الموت ؟ وماذا وراء الكون ؟ ولم يستطع الفيلسوف ان يقنعنا برأي حاسم في هذه الموضوعات.  اذ كان يخرج تيه كي يدخل في الى تيه آخر. وكان بذلك اشبه بالأعمى يبحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة والقطة مع ذلك ليست في الغرفة. وقد انتهى ابن رشد الى القول المأثور
(لا ادري) - - - وانتهت الفلسفة في عصرنا الى ترك هذه الاشياء كلها وقنعت بان يكون موضوعها الحياة. 

كيف نعيش احسن العيش ؟ -- كيف نفهم الفهم الصحيح ؟ وكيف نحقق السعادة ؟ وهل السعادة تحقيق الشهوات ام زيادة الوعي ؟ كيف ننتج اكبر الانتاج واحسنه ؟ وكيف نحكم احسن الحكم ؟ - - - وما هي القيم الفردية والاجتماعية التي تزيدنا صحة في الجسم وذكاء في العقل وطيبة في النفس ؟
وعندما انحصر سلطان الملوك بعد انطلاقة الشعوب على مسرح الحياة ظهرت قيم جديدة في الفلسفة والاداب - - - ولذلك نجد – ليتشنبرغ – يسأل : ماهي الفلسفة ؟ فيجيب انها هي هذه الاشياء: 1 – من انا ؟ 2 – ماذا يجب ان افعل ؟ 3 – ماذا اعتقد ؟
وبهذه الاسئلة ينكر الحلول القديمة ويستقبل الحلول الجديدة.

وتظل السيكولوجية تقول: ان الوعي هو غاية الحياة، فاذن هو غاية الفلسفة. 
الوعي هو كيف اجد نفسي في المجتمع والدنيا والكون ؟ - - - كيف اجد نفسي في العلوم والفنون ؟ - - - كيف اجد نفسي في منطقي وعقائدي ؟ - - - كيف اجد نفسي في معاني السعادة ؟ - - - وبالتالي كيف اجد نفسي في معاني الخير والشر ؟

اعتبر الكلب الذي يعيش معي في منزلي ان له وعيه.  اي انه يجد نفسه ويزن مركزه، بحيث يعرف انه لا يجوز له ان يتناول الطعام اذا كان في طبق آخر وفي مكان آخر  غير الطبق الذي يأكل منه والمكان المعين له.  وهو يعرف اعضاء الاسرة وجغرافية المنزل، ويهب على الغريب نابحا الى ان نطمئنه عنه. وهو يستطيع ان يخرج ويجول في الشوارع حول المنزل. هذا هو كل وعيه. 

لكن وعي انا اكبر. اعظم ما يزيد وعي هو كلمات اللغة لان الكلمات افكار.  انا اجد اني لست ساكنا في منزل فقط بل في العراق وفي قارة آسيا وعلى الكرة الارضية هذه التي تدور حول الشمس.  ثم ان لي وعيا بالاخلاق اكثر من الكلب وكذلك انا على يقظة بالسياسة العراقية والعالمية وعلى احساس بالاخطار البشرية من السلاح الذري وعلى معان مختلفة من العقائد والعلوم والاداب.

كما انني سليل الخلية الاولى التي نبض فيها الحياة في طين سواحل المستنقعات قبل الف مليون سنة الى ان وصلت الى مرحلتي الحالية كأنسان. وغايتي من الحياة هو الارتقاء عن طريق زيادة الوعي والمعارف والاختبارات وتعقلها.
ختاما اقول ان المجتمعات قد تغيرت وانها بدلا من ان تكون مجتمعات الملوك اصبحت اليوم مجتمعات الشعوب، فاصبح الاديب والفيلسوف كلاهما يهتمان بهموم مجتمعاتهمن
فعصرنا هذا هو ليس عصر الحكام الطغاة انما عصر الجندي المجهول من الشعب.
* مقتبس من كتاب مقالات ممنوعة لسلامه موسى.

  





رحلة الى عالم الانسان



رحلة الى عالم الأنسان              بقلم د. رضا العطار 

انه لنموذج حضاري فريد من نوعه، ذلك ما اجتمعت عليه الألسنة في هذا الجمع الهائل من البشر الذين تفرقت بينهم الاجناس واللغات والعادات والاديان، لكن جمعتهم كلهم في غاية واحدة يصبون اليه الا وهي السعادة. التي اضحت بديهة لا اعتقد ان عاقلين يختلفان حولها - - - ولكن كيف السبيل للوصول الى السعادة ؟ كل الفلسفات والعقائد والنظم والاديان تدعي استهداف هذه الغاية والتريخ الانساني حافل بالمآسي، وما زال حاضر الانسان يشكو من العلة نفسها، ان لم نقل ان التطور التكنولوجي قد فاقمها في ظل الانظمة الاجتماعية – الاقتصادية السائدة ، والتاريخ زاخر باستغلال الانسان للانسان واستغلال مجتمعات لمجتمعات اخرى ولكن الم يساعد تطور وسائل الانتاج والتطور التكنولوجي الراهن ؟

والتاريخ الانساني على قدمه مليء باخبار الحروب والنزعات وتصطبغ صفحات التاريخ كلها بلون الدم الاحمر القاني، ولكن ألم تزد التكنولوجيا الحديثة في مجال التدمير انهار الدماء سيلانا ؟ انها ازمة الحضارة الانسانية على مدى التاريخ التي لا اراها في عصرنا الحاضر الا ازدادت تفاقما .
فهل يستطيع الانسان ان يصل الى السعادة بمعزل عن المجتمع ؟ وهل الخلاص الفردي ممكن ؟  وهل يجب ان نسلم باستحالة السعادة، فنزهد في الدنيا طابا لسعادة الأخرة ؟

الناس يتخبطون في متاهات الحياة بحثا عنها وهي تبدو سرابا لا يدرك، اليس الافراد والجماعات في الحضارة السائدة يمعنون في الاستغلال وسياسة التعدي بحثا عن الثروة والسلطة كطريق مفترض للسعادة ودون جدوى ؟
فاسباب الاضطراب ما تزال ماثلة والمجتمعات تعاني في ظل الحضارة العالمية والنظام العالمي المعاصر ما لم تعانه المجتمعات من قبل، الخوف والقلق يسودان هذه المجتمعات ويعاني الانسان في ظل التكنولوجيا المعاصرة مزيدا من الخلل في الميزان بين المعارف الانسانية وادوات الانتاج من ناحية وبين الوضع الانساني من ناحية اخرى، ما يترك الافراد والمجتمعات يعانون قلقا يجعل عيادات الامراض النفسية والعقلية تغص بالمرضى، والمخفي اعظم.

هذا فضلا عن حالات عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي وخوف الحاكم من المحكوم وانتفاض المحكوم على الحاكم واضطهاد الاثنين معا بسبب الازمات الاقتصادية والاجتماعية في متاهات البحث عن سعادة الفرد والمجتمع - - - والمأساة الانسانية مستمرة ومتفاقمة.  لقد كان افلاطون على حق حين قرر ان لا سعادة دون عدالة ولا سعادة مع التعدي.  فالبحث عن السعادة خارج مجتمع الكفاية والعدل عبث صارخ.
ولا سعادة للفرد على حساب غيره او على حساب المجتمع.
المؤمنون بالاديان يبشرونك بسعادة الاخرة كي يعوضوا عليك ظلم الدنيا او يرهبونك من الاخرة كي يجنبوك فساد الدنيا.  اما لمؤمنون بالانسان فيقدمون لك نموذجا للدنيا يكسبك الدنيا والاخرة معا - - - اليست الحاجة والطمع مبعث اغلب الرذائل ؟ اليست الحاجة والطمع الذي نستثيره هي التي تدفع من لا يملك الى محاولة الاخذ ممن يملك ؟

ان الذين يملكون لا يخافون ممن لا يملكون، لأن النظام القائم هو الذي يتولى المحافظة على قوى القمع والكبت.  اوليست اغلب القوانين والمحاكم والسجون مكرسة لحماية الملكية الخاصة ؟ - - - اليست الملكية الخاصة اذا ما جاوزت حد الحاجة تولد لدى الانسان جشع التملك ؟ والتي ينميها الى حد الجنون ؟ - - - ولو رجعنا الى شريعة الغاب، لما وجدنا الحيوان يكتنز اكثر من حاجته ! من هنا يمكن القول انه لا عدالة تساوي شريعة الغاب.  ان نظام الملكية الخاصة في اساسه هو السبب لهذه الشرور.

الاديان تتوعد الاغنياء الذين يكنزون الذهب ويحرمون المحتاجين اليه بنار جهنم،
وتتوعد الفقراء الذين تدفعهم الحاجة لأرتكاب الاثام كذلك بجهنم. ان جميع هذه الاديان على حق، فالانسان باغنيائه وفقرائه الذي ارتضى نظام الملكية الخاصة والذي نجمت عنه كل هذه المآسي والشرور، هذا الانسان صنع بيده لنفسه جهنما يحرق نفسه فيها على الارض.
·       مقتبس من كتاب الانسان والحضارة لمؤلفه عبد المجيد عبد الملك.
       

الألم والعذاب، ميزة الحياة


الألم و العذاب،  ميزة الحياة       بقلم الدكتور رضا العطار 

لو نظرنا مثلا الى (الحب) لوجدنا انه يمثل (قيمة) اساسية من (قيم) الحياة البشرية. والحق انه ليس اقسى على الموجود البشري من ان يجد نفسه وحيدا لا يتواصل مع احد ولا يتجاوب معه احد انه يشعر بالحاجة دائما الى غيره من بني جنسه، وليس ثمة شئ يمكن ان يقوم بديلا عن الموجود البشري الذي نحبه ونتعلق به - - - بل اننا حتى حين نحب شيئا ما من الاشياء، فاننا لا نحبه الاّ لانه واسطة نستطيع عن طريقها ان نحقق ضربا من التواصل مع شخص ما.  وما كان لاي مشهد طبيعي ان يستثير اهتمامنا او ان يولد لدينا اي شعور بالاعجاب، لو لم تكن او كانت هناك جماعة شاركت –مثلنا – في حياة المسرة و التمتع بمباهج الزهور النضرة وذكرى قضاء سويعات حلوة بالقرب من نهيراتها  ووديانها الخصيبة ولعل رنين ضحكاتهم ومرحهم لا يزال يتردد في مسامعنا . 

ولو انني كنت وحدي، الكائن الواعي في هذا العالم لما حدثتني الكائنات الطبيعية الاّ عن وحدتي او بالاحرى لوجدت نفسي في حالة عدم اكتراث تام تام بأزاء مشاهدة الطبيعة ! ومن هنا فقد تكون القيمة الكبرى للحب الشخصي انه ينتزعنا من عزلتنا الميتافيزيقية لكي يقذف بنا الى عالم الاخرين بكل ما ينطوي عليه هذا العالم من مخاطر ومباهج وخصب وثراء ! لكن نحن لا نحب الاخرين لانهم سينفذون بنا الى حياة لا عهد لنا بها، تكشف لنا عن قيم مجهولة لدينا ويمتد بنا الى عوالم روحية لم تكن لنا في الحسبان ! فالحب هو بهجة الحياة الدنيا لدى ذلك الموجود البشري الذي لا يملك سوى ان يحيا مع الاخرين.

واذا كنا قد اعتبرنا اللعب بهجة اخرى من مباهج الحياة البشرية فذلك لاننا قد وجدنا في (اللعب) مظهرا من مظاهر الشباب الدائم للذات الانسانية وكأن الذات التي (تلعب) ذات تنطلق في نشاطها الابداعي دون ما ادنى قيد واذا كان اللعب يقترن بفترة الطفولة التي تكاد تخلوا من المشاغل والهموم فليس بدعا ان تكون متعة (اللعب) لدى الانسان البالغ هي متعة الارتداد الى حياة الطفولة بكل ما فيها من تلقائية وانطلاق.  فاللعب وسيلة فعالة من وسائل تجاوز الواقع والتحرر من توترات الحياة وشتى مطالبها.

ولكننا لا نستطيع ان نغفل الواجهة الاخرى للعملة فان الامانة الفكرية تلزمنا بان نحدث القارئ ايضا عن آلانم الحياة وشرورها ومخاوفها دون الاقتصار على ابرازافراحها وخيراتها ومسراتها.  وليس في وسع احد ان يتجاهل ما في الحياة البشرية من شرور.  فان تلمصير الانساني لا يخلو من مرض والم وعذاب وشيخوخة.  وقد لا يكون في استطاعة انسان كائنا من كان ان ان يزعم لنفسه انه قد نجح كليا في قهر كل تلك الشرور او تجاوزها بصورة قاطعة

ان الحياة بطبيعتها لا تمثل قوة مولدة للألام ! وهما يكن من امر الشرور التي تقترن في العادة بحياتنا، فان الملاحظ اننا قلما نعد الحياة – في ذاتها – بمثابة شر بدليل اننا قلما نفكر في التنكر لها او الكفر بها، اللهم الا في حالات نادرة قد تكون هي نفسها تعبيرا عن ضرب من التعلق بالحياة والنزوع نحو صورة من صمر السعادة ! والحق ان الانسان يريد ان يعيش ! وليست القيمة في نظره هي ما من شانه ان يهدم الحياة بل هي ما من شانه ان يساعدها على الدفاع عن نفسها وان ينقذها من براثن اليأس - - - وحين يقدم الانسان على الانتحار فانه لا يرتكب فعلته هذ1ه الا لانه يرى في التنازل عن الحياة (خيرا) يوفر عليه آلام الحياة - - - ان الانسان السوي يواجه الحياة بضرب من الشجاعة الوجودية التي تستند ضمنا الى الشعور بان الحياة مصدر كل قيمة وانه هيهات لأحد ان يجد في (العدم) المبرر والعلاج.

والحق اننا لو نظرنا الى تاريخ الانسان لوجدنا انه هو وحده (في عالم التاريخ الطبيعي الشامل) الذي يستبقي ذكر الاباء والاجداد من عظماء وابطال وقادة ومصلحين وآية ذلك اننا نذكرهم لانهم ضحوا بانفسهم فماتوا ليعيشوا بدلا من ان يعيشوا ليموتوا ! انهم بذروا حياتهم وسفكوا الدم من جنباتهم، فنبت الخير لمجتمعهم، فكانت جراحاتهم ينبوع حياة اخصب المستقبل لأبنائهم واحفادهم من بعد! اجل ان تاريخ الانسانية هو وحده الذي تعلو فيه على امثلة حية لتلك الحياة المليئة المعطاة التي لم يأل اصحابها جهدا في ان يفيضوا على الاخرين ويبذلوا من انفسهم للاخرين ويتفانوا في سبيل خدمة الجميع ويعملو من اجل تحقيق سعادة المجموع.
* مقتبس من كتاب  فلسفة الحياة للأستاذ زكريا ابراهيم – جامعة القاهرة






السًر في وجودنا


 السر في وجودنا، التحرر من الماضي والانطلاق نحو المستقبل
بقلم د. رضا العطار

ضمن (قراءات فلسفية) اقول كيف للانسان ان يتنكر لماضيه، وما وجوده نفسه الا ماضيه،  ألسنا نلاحظ ان الطفل الصغير يولد مزودا بماض طويل ؟ أوليس جسم الوليد الجديد تراثا يحمل آثار الماضي البعيد ؟ والا فماذا عسء ان تكون تلك الوراثة الثقيلة على كاهل الطفل الصغير وتجعل منه مجرد نهاية مؤقتة لسلسلة طويلة من الانساب والاستعدادات الوراثية والصفات الخلقية والسمات العرقية ؟

وردنا على هذا الاعتراض ان الطفل يولد وهو شيخ طاعن في السن لانه يحمل تراث اجداده وآبائه ولكنه لا يظهر الى الوجود حقيقة مكتملة قد تحددت معالمها من ذي قبل، بل هو يظهر على صورة شخصية مرنة تقبل التشكل - - - وليست الحياة الروحية للموجود البشري سوى هذا الجهد الذي يقوم به الطفل من اجل تجديد حياته واستعادة شبابه ! فنحن لا نكف عن طرد احماله الثقيلة الماضية.  وكأن كل حياتنا هي مجرد سعي مستمر نحو الارتداد الى الينبوع الاصلي.  ومن هنا فان وجودنا هو في صميمه تحرير من الماضي من اجل الانطلاق نحو المستقبل.

اننا لا ننظر الى الذكريات الماضية على انها موضوعات بل على انها (قيم) او (دلالات). وهنا تتحول الذكريات من موضوعات تقتصر على تأملها الى وقائع حية تحرك الارادة وتنشط مقدرتنا على الحكم - - - وليس يكفي ان نقول ان معرفتنا لماضينا تتغير يوما بعد يوم بل يجب ان نضيف الى ذلك ايضا ان هذه المعرفة لا تلبث ان تنفصل عما اقترن بها من اعراض لكي تستحيل الى نشاط روحي انقى واعمق.

فإذا ما تساءلنا ( هل يملك ماضينا ان يسعدنا او يشقينا ؟)كان الجواب لا ونعم، لا لان الماضي نفسه قد اصبح اثرا بعد عين. ونعم، لان فكرتنا عن الماضي تظل تؤثر على سلوكنا ما دمنا نجد انفسنا مذطرين الى معاودة تأويل ماضينا من اجل المضي في طريقنا نحو المستقبل - - -  ولما كان الماضي يمثل الامتلاك فستظل الارادة البشرية في حاجة الى (الماضي) ما دام الماضي يمثل عالم الوجود. 

ااننا كائنات تحمل وراء ظهرها (ماضيا) على شكل (مكاسب) ولكننا في الوقت نفسه ذوات واعية تدرك ان ما قد (تحقق) لا يرسم مرة واحدة صورة ما ينبغي ان يتحقق فالماضي يدفع كل من الحاضر والمستقبل - - - فلو كان الانسان اسير ماضيه، الى الحد الذي يتصوره البعض لكانت الحياة تالبشرية هي اليأس بعينه، اذ ما الياس الاعبودية الماضي - - -  ألا تشعر ايها القاري الكريم باننا نوجد من اجل ( ما لا يمكن التنبؤ به )
اكثر مما نوجد من اجل ( ما لا يمكن استرجاعه ) ؟
·       مقتبس من كتاب مشكلة الحياة د. زكريا ابراهيم جامعة القاهرة






للضك وقت والبكاء وقت


 للضحك وقت وللبكاء وقت !   بقلم الدكتور رضا العطار

لقد كان سليمان الحكيم يقول : (ان للضحك وقتا، ومهما كان من بساطة هذه الحكمة فانها تذكرنا بالخطأ الذي يقع فيه المتفائلون حينما يتناسون ما في الحياة البشرية من دموع.  والخطأ الذي يقع فيه المتشائمون حينما يغلقون اعينهم عما في الحياة من مرح وضحك وسرور - - - فليس الوجود الانساني في جوهره سوى هذا الاستقطاب الحاد بين الضحك والبكاءاو بين الالام والامال او بين فلسفة الشقاء وفلسفة السعادة، وليس ايسر على الانسان من ان يتجاهل احد هذين القطبين لكي يضغط بكل ثقله على القطب الاخر ولكنه عندئذ لن يلبث ان يتحقق من ان (الضيف الثقفيل) الذي طرده من الباب قد عاد اليه من النافذة ! وما دام البشر يحيون في عالم ناقص يسوده التناقض فسيظل الوجود البشري مسرحا خصبا لهذا التعارض الاليم بين الخير والشر بين الصواب والخطأ بين النجاح والفشل بين الضحك والبكاء.

والحق انه من المستحيل ان نتصور عالما بشريا قد محي منه البشر تماما وزال منه الخطأ عن بكرة ابيه وارتفع عنه الالم الى غير رجعة ! ولو امكن ان يكون هناك ضمير انساني لم يختبر يوما تجربة البشر ولم يعرف لحظة واحدة خبرة الفشل ولم ينصهر قط في بوتقة الالم، لما كان ثمة شئ يمكن تسميته باسم (الخير) او (النجاح) او ( الغبطة) بالقياس الى مثل هذا الضمير ! ومعنى هذا انه لو استوت في اعيننا كل ضرورب الوجود او اساليب الحياة لما قامت للقيم في اعيننا اية قائمة ولما كان هناك موضع للتفرقة بين خير او شر او صواب وخطأ او نجاح وفشل.

وقد نتصور احيانا امكان قيام (الخير) بمقتضى ضرورة صارمة مطلقة ولكننا سرعان ما نتحقق من ان (الخير) لا يمكن ان يصبح يوما مجرد قانون من قوانين الطبيعة.  لانه لا يمكن ان يستحيل الى (واقعة محضة) لا يكون علينا الا ان نتقبلها ! والسبب في ذلك ان القيم لا توجد الا بالقياس الى الوعي البشري الذي يقابل بينها، ويحكم عليها ويمارس حريته في قبولها او رفضها ومن هنا فان الشر والالم والبكاء والخطأ لا نزيد عن كونها (الواجهة الخلفية) لعملة الحياة التي تحمل على (واجهتها الامامية) صور الخير والسرور والضحك والصواب والنجاح والامل والنشوة.

وحسبنا ان ننظر الى المجتمعات البشرية الفردية لكي نتبين في وضوح وجلاء انه لا يمكن لاي منها ان يكون محكوما بنظام واحد لا موضوع فيه لأي استقطاب او تناقض ! ولا غرو فان الحياة نفسها لا يمكن ان ترد الى اي نسق او نظام بعينه والاّ لاستحالت سمفونيتها المنتسقة الى (نشاز) بغيض يقوم على تنافر النغمات ! وكيف للسمفونية ان تتألف من نغمة واحدة رتيبة مطردة وهي التي تستند في اتساقها الى (تنوع الوحدة) و ( وحدة التنوع)
  • مقتبس من كتاب فلسفة مشكلة الحياة د. زكريا ابراهيم – القاهرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.